هجمةُ المحبِّين…

هجمة أميركيّة مغمَّسة بالمحبة، يتعرَّض لها لبنان التعدّدية والديموقراطيّة والحريّة، وفي هذه الفترة الحرجة جداً والدقيقة جداً. ومن غير أن تكون له يدٌ أو معرفة بالأمر وأبعاده.
فجأة اتصلت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون برئيس الجمهوريّة، وزفّت إليه نبأ توجّه مساعدها صوب بلد الثماني عشرة طائفة لتفقّده والوقوف على حالات الزمان عليه.
وفجأة، كذلك، اكتشف اللبنانيّون أن عضو لجنة القوات المسلّحة في الكونغرس الأميركي السناتور جوزف ليبرمان يتفقّد حدود لبنان الشماليّة، ويلقي نظرة متفحّصة على الحدود السوريّة – التركيّة والمخيّمين في ضيافتهما.
ومن دون حاضر أو دستور يبدي ليبرمان "قلقه من الصراع في سوريا، وإمكان امتداده إلى دول مجاورة بينها لبنان".

اللبنانيّون بلا ليبرمان وقلقه وبلا دفّ جيفري فيلتمان يرقصون وجلاً كلّما ذكرت الحدود الشمالية ووادي خالد في معرض الحديث عن جديد الأحداث السوريّة، فكيف إذا أتتهم النقزة من السناتور الأميركي القلق أيضاً.
وكلّه من المنبر اللبناني. سواء عند نقطة الحدود أو وسط العاصمة التي ابتليت مجدّداً بعارض الأرق.
المثل اللبناني القائل يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنتّ ربُّ المنزل، يكاد ينطبق حفراً وتنزيلاً على مساعد الوزيرة كلينتون المستر فيلتمان، الذي ما إن نودّعه من الباب حتى نكتشف أن الشوق أعاده إلينا من الشبّاك.
ولا تنتهي القصة عند هذه المفاجأة، بل أن الزائر، أو الضيف الذي أصبح ربّ المنزل، يؤكّد بحزم وعزم دعم بلاده "للحكومات التعدّدية والديموقراطيّة، في المنطقة".
ومن غير أن ينسى تبشيرنا بتجديد "التزام الولايات المتحدة لبنان مستقراً وسيداً ومستقلاً".

عادة، يضع اللبنانيّون أيديهم على قلوبهم كلّما تكرّم عليهم المستر فيلتمان بزيارة تفقّديّة… لا تلبث أن تقلب الوضع والأرض والفوقاني تحتاني، أو كلّما أعلنت واشنطن بلسان أحد مسؤوليها حرصها على لبنان واحداً موحّداً، إلى آخره…
وليكتمل النقل بالزعرور، وتكتمل الأفراح، ويلتئم الشمل، أمَّ الثغر في التوقيت ذاته نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، مزوَّداً ما تيسّر من مشاريع وعروض التعاون المشترك بين البلدين، والتي لا يخلو بعضها من الإحراج في أقل تقدير.
وما إلى ذلك من تصريحات تتناول الوضع السوري وتصبّ في خانة تجعل اللبنانيّين ينزلون إلى ساحة الدبكة من دون تردّد.
كأنما كل شيء كان مُعدّاً سلفاً. وبحسب توقيت دقيق. لا ليشكّل صدفة من غير ميعاد، إنما ليضاعف الإرباك، ويضيف إلى التعقيدات الفولكلوريّة تعقيداً من العيار الثقيل.
المطمئن نسبيّاً أن سياسة النأي بالنفس لم يدق بخاطرها أيّ من الزائرين "المحبِّين" للبنان وتعدّديته !

السابق
القاعدة..غداً في لبنان؟
التالي
دمشق.. تحت النار