النهار: احتواء انفجار الشلل المالي حتى الأربعاء وزيارة فيلتمان قيّدت اندفاع الوفد الإيراني

اذا كان اليوم الاخير من زيارتي مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان ونائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي لبيروت وفّر للحكومة ذريعة لارجاء جلسة مجلس الوزراء امس بحجة كثافة المواعيد وتداخلها، فإن انكشاف المأزق الكبير الذي أحكم حصاره على الحكومة لم يتأخر بل سابق سفر الزائرين اليوم. وقد حاول بعض المعنيين التستر على الخلاف المتجدد الذي كان ينذر بتفجير الجلسة في حال انعقادها، فطرح اقتراحاً لعقد لقاء وزاري في السرايا بعد الظهر، لكنه سرعان ما اصطدم بالخوف من نشر غسيل الخلاف الحكومي على مرأى من الزائرين الاميركي والايراني، فصرف النظر عنه.
وعلمنا من مصادر مواكبة للاتصالات ان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ارتأى في ضوء احتدام النقاش في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء مساء الاربعاء في السرايا في موضوع الانفاق المالي في الوزارات والادارات العامة وعدم القدرة على صرف اي مبلغ اضافي، تأجيل الجلسة التي كانت مقررة امس لمجلس الوزراء في قصر بعبدا والتي كان يفترض ان يطرح فيها المشروع المعدل الذي وضعه وزير المال محمد الصفدي لمبلغ الـ 8900 مليار ليرة، خصوصا ان مواقف الاطراف في الجلسة انقسمت انقساماً حاداً بين فريق 8 آذار و"تكتل التغيير والاصلاح" الذي يصر على ان لا مخرج الا بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال سليمان مشروع القانون واصداره بمرسوم، والفريق الآخر الذي يتقدمه وزراء "جبهة النضال الوطني" والذي يطالب بمعالجة شاملة لكل ملف الانفاق الاضافي اي لمبلغ الـ 8900 مليار ليرة وملف الـ 11 مليون دولار العائد الى الحكومات السابقة.

واكدت المصادر ان جلسة الخميس، لو لم ترجأ، لتحولت منصة لحملة مركزة على رئيس الجمهورية من ثلاثي "حزب الله" – "امل" – "تكتل التغيير والاصلاح" الذي بات يحمله مسؤولية الشلل الذي يصيب الدولة ووزاراتها واداراتها نتيجة عدم القدرة على صرف اي مبلغ او اعتماد مالي، في ما عدا الرواتب والاجور في القطاع العام. واوضحت انه في ضوء هذه الاجواء المحتدمة وغياب اي توافق على الموضوع، بادر ميقاتي بعد جلسة الاربعاء الى التشاور هاتفياً مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري وتقرر قبيل منتصف ليل الاربعاء ارجاء جلسة الخميس تفادياً لانفجار المشكلة وافساحاً في المجال للتفاوض مجدداً والبحث عن مخرج.
واكد احد وزراء فريق 8 آذار لنا ان الوزراء لم يتبلغوا قرار التأجيل الا صباح امس، وعزي ذلك الى انشغال رئيس الوزراء بمواعيد لم تكن مقررة مع الوفد الايراني ومن ثم لقائه مساء فيلتمان. واذ لم يعلن موعد الجلسة المقبلة، افاد الوزير نفسه ان الموعد المرجح هو الاربعاء المقبل، الموعد الاسبوعي للجلسة. وقال ان الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء اظهرت مدى الشلل الذي اصاب الادارات نتيجة عدم القدرة على تغطية اي نفقات مالية، اذ كلما طرح بند يحتاج الى تمويل كان الجواب بأن لا قانون يغطي الانفاق ولذا ارجئت كل البنود التمويلية على ان تجرى مناقشة جديدة لمشروع الـ 8900 مليار ليرة لارساله الى مجلس النواب.

وعلمنا ان ميقاتي شرع امس في اجراء اتصالات مع الرئيسين سليمان وبري والوزراء من اجل بلورة مخرج يتيح انعقاد جلسة مجلس الوزراء والخروج منها بحل لمشروع الـ 8900 مليار ليرة معدلاً.
وحصلنا على نسخة عن مشروع القانون المعجل الذي وضعه وزير المال والرامي الى "تخصيص اعتماد قدره 8900 مليار ليرة تضاف الى ارقام الموازنة العامة لسنة 2005 وذلك لتغطية الانفاق لعام 2011".
ويتضمن المشروع مادة وحيدة، وهو مطابق تماماً للمشروع الاصلي، لكن التعديل الذي اجري عليه تناول "الفقرة ب" التي تنص على الآتي: "يتم النقل من احتياط هذا القانون الى سائر الادارات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص ووزير المال"، أي أن الصرف يتم بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء وليس بقرار من وزير المال والوزير المختص كما كانت صيغة المشروع قبل تعديله.
وقد دعي الصحافيون المعتمدون في قصر بعبدا للقاء الرئيس سليمان قبل ظهر اليوم، وفهم انه سيتحدث اليهم عن كل القضايا المطروحة والعالقة بما فيها قضية الانفاق.

فيلتمان
في غضون ذلك، أنهى فيلتمان زيارته لبيروت التي استمرت ثلاثة أيام وتميزت بمروحة واسعة جدا من اللقاءات الرسمية والسياسية والدينية والاجتماعية التي تخللها وكان آخرها مع الرئيس ميقاتي مساء أمس في دارة الاخير في فردان. وشملت اللقاءات في اليوم الثالث رئيس الجمهورية والرئيس أمين الجميل والرئيس فؤاد السنيورة ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، وتناول الغداء الى مائدة النائب بطرس حرب مع عدد من نواب 14 آذار، ثم أقامت السفيرة الاميركية مورا كونيللي استقبالا تكريما له في عوكر.
واذ اتسمت زيارة فيلتمان بقلة البيانات والتصريحات وباقتصارها على الاعراب عن دعم بلاده "الثابت للحكومات التعددية والديموقراطية في المنطقة" وتجديد التزامها "لبنان مستقرا وسيدا ومستقلا"، أكدت أوساط بارزة شاركت في المحادثات التي أجراها لنا أن حضور فيلتمان في الايام الاخيرة في بيروت حقق هدفا ضمنيا أساسيا للزيارة وهو "إحداث توازن مع الاندفاع الايراني نحو لبنان والتأكيد أن لبنان لا يفترض ان ينزلق او يذهب الى موقع آخر". كما أشارت الى ان الزيارة أبرزت اهتماما بالاستحقاق الانتخابي المقبل في لبنان على خلفية تحقيق تمثيل نيابي صحيح، فيما بدا بارزا ان انطباعات المسؤول الاميركي عن الوضع في سوريا تمثلت في ان النظام السوري هو في حال انهيار لكن المعاناة في سوريا ستطول. كما ان فيلتمان ذكر مرارا بواجبات لبنان حيال نفسه وحيال المجتمع الدولي وضرورة تقديم المساعدات الانسانية للنازحين السوريين والوفاء بالالتزامات حيال المحكمة الخاصة بلبنان.
وأفادت الاوساط ان قوى 14 آذار أبلغت فيلتمان ان الحكومة الحالية غير مؤهلة للاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة، وشددت على تمسكها باجراء الانتخابات في موعدها.

ولخص منسق قوى 14 آذار فارس سعيد لنا أهداف زيارة فيلتمان للبنان بأن "هناك اقتناعا لدى الولايات المتحدة وايران باقتراب النظام في سوريا من نهايته ولكن لا مصلحة لواشنطن وطهران حاليا في اعلان دفن هذا النظام والنزاع مفتوح على وراثته في لبنان، وايران تحاول وضع يدها على التركة عندنا من خلال الحكومة الحالية التي يهيمن عليها "حزب الله". وأضاف: "جاء فيلتمان لافهام الجميع أن السير في هذا الاتجاه سيوصل لبنان الى مشاكل كبيرة مع المجتمع الدولي وهذا هو جوهر الزيارة".
اللجنة العليا
في المقابل، أوضحت مصادر وزارية مواكبة لزيارة الوفد الايراني لبيروت ان توقيع اتفاق واحد فقط يبن الجانبين اللبناني والايراني في المجال الصناعي، في اطار اجتماع اللجنة العليا بين البلدين أمس، يعود الى الحاجة الى عرض مشاريع الاتفاقات الاخرى على مجلس الوزراء والحصول على تفويضه لتوقيعها، في حين ان الوقت لم يسمح بذلك.
وأكد نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي عقب اجتماع اللجنة أمس في السرايا "عزم ايران الراسخ على تمتين حكومة الرئيس ميقاتي وتقويتها". فيما اعتبر الرئيس ميقاتي ان "حرص ايران على دعم جهود الحكومة اللبنانية للمحافظة على الاستقرار جنب لبنان تداعيات ما يجري من أحداث في عدد من الدول العربية الشقيقة ولا سيما منها سوريا".
السفير السعودي
في ظل هذه الاجواء سجل تطور ديبلوماسي بارز آخر تمثل في بيان أصدره السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري وردّ فيه على اتهام السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي المملكة العربية السعودية ودولا خليجية بأنها وراء سفينة الاسلحة التي ضبطها الجيش. واعتبر السفير السعودي ان موقف السفير السوري "ليس غريبا اذا قرأناه في سياق سياسة الهروب التي تمارسها الحكومة السورية في محاولة يائسة لحرف الانتباه عن حقيقة ما يتعرض له الشعب السوري". وتمنى ألا يكون لاسفير علي "تعمد الادلاء بتصريحه من منبر وزارة الخارجية للايهام بأن تصريحه يتم بالتنسيق مع المسؤولين فيها".
وعزت أوساط مطلعة بيان السفير السعودي الى استياء حكومته ليس من الموقف السوري فحسب، بل كذلك من موقف الديبلوماسية اللبنانية التي لم تتحرك حيال استخدام السفير السوري منبر وزارة الخارجية للنيل من السعودية وقطر.

السابق
الأنوار: لالخلافات تعطل مجلس الوزراء والسبب المعلن زحمة المواعيد
التالي
السفير: فيلتمان لا يطمئن الحلفاء: نعم .. الأقليات مهدّدة