القاعدة..غداً في لبنان؟

إذا صدق الأميركيون، فان مقاتلي تنظيم «القاعدة» باتوا الأكثر خطورة في سوريا. وإذا اضيف الى الكلام الأميركي مسلسل التفجيرات الممتدة من دمشق الى حلب، والحامل توقيع هذا التنظيم، يمكن القول ان المطلوب فعلا هو حرب اهلية في سوريا من جهة، وان لبنان مهدد بالتحول الى الساحة الفضلى للمقاتلين «القاعديين» الهاربين عبر الحدود من جهة ثانية.

هذه اولا أبرز التصريحات الاميركية: هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية تقول في حديث لشبكة «سي بي أس»: «نحن نعلم ان زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري يؤيد المعارضة (السورية) فهل نؤيد «القاعدة» في سوريا، والان أصبحت «حماس» تؤيد المعارضة، فهل نؤيد «حماس» في سوريا»؟
ما كانت كلينتون لتقول مثل هذا الكلام لو لم يسبقها، ابرز القادة العسكريين والاستخباراتيين الى هذا التوصيف. جيمس كلابر رئيس جهاز الاستخبارات الاميركية قال «ان تفجيرات حلب ودمشق تحمل بصمات «القاعدة»، وان «القاعدة» اخترقت المعارضة السورية المنقسمة». الجنرال مارتن ديمبسي رئيس اركان القوات الاميركية المشتركة قال لشبكة «سي أن ان: «لدينا مؤشرات ان «القاعدة» مشاركة بالتفجيرات وانها مهتمة بدعم المعارضة».
وقبل أيام قليلة، نقلت وكالات الانباء العالمية عن مسؤول استخباراتي رفيع في الكونغرس قوله «ان اعضاء من جماعة «القاعدة» الارهابية يتسللون الى صفوف المعارضة السورية».

الاجهزة السورية كانت قد أعدت لوائح مفصلة حول العناصر العربية او تلك الحاملة جنسيات غربية ـ عربية والتي تنضوي تحت لواء «القاعدة» وتنشط في الاراضي السورية. تضم هذه اللوائح اسماء كثيرة ومن دول عربية مختلفة أبرزها من ليبيا. ومن بين ما تسرب مثلا ان وليد البستاني وهو من عناصر «فتح الاسلام» كان «يتزعم مجموعة ارهابية» في بلدة الحصن وقتله بعض عناصر «الجيش الحر» بتهمة قتل عنصرين منه. وان شخصين ليبيين من مصراته قتلا وجرح ليبي آخر في قرية الميسر في حلب، وان ضاحية دوما شهدت تظاهرات رفعت فيها اعلام «القاعدة» وكذلك الامر في ادلب، وان سيارة تحمل لوحة عليها شعار «القاعدة» اخترقت معبر تل ابيض الحدودي، وانه بعد الدخول الى منطقة بابا عمرو في حمص تم اكتشاف مواقع لسجون وغرف تعذيب فيها شعارات تستخدمها «القاعدة» او مجموعات مقربة منها.
تقول اوساط دمشق ان لدى الاجهزة السورية ملفات عدة حول تورط «القاعدة»، وثمة معلومات نقلت الى دول عربية تحمل شيئا من التحذير حيال التغاضي عن هذه العناصر أو حيال تعمد ارسالها. يقال ان لبنان كان من بين هذه الدول التي تم توجيه تحذيرات مباشرة اليها.

بعض المقربين من السلطات السورية يذهب الى حد القول ان الاستخبارات السورية لم تقطع صلاتها مطلقا مع استخبارات عربية وتركية وغيرها للوقــوف عند خطر تمــدد «القاعدة» في الجسد السوري وعند تسلل عناصر «ارهابية».
دققت اوساط غربية في المرات التي تبنت فيها «القاعدة» التفجيرات على الاراضي السورية. تبين ان التبني صحيح في معظم المرات. قالت هذه الاوساط ان ما يحصل في سوريا هو تنفيذ حرفي لدعوة اطلقها الظواهري في شهر شباط الماضي. دعا القيادي «القاعدي» في تسجيل صوتي بعنوان «الى الامام يا اسود الشام» مسلمي تركيا والعراق ولبنان والاردن الى «النهوض لمساعدة السوريين الذين يواجهون قوات الاسد».

في المعلومات أيضا، ان الروس قدموا للدول الغربية معلومات دقيقة حول خطر «القاعدة» في سوريا. كان هذا أحد أبرز اسباب تراجع دول عدة وبينها فرنسا عن الرغبة في تسليح المعارضة. زد على ذلك، ان المعارضة المنقسمة على نفسها لم تعد مصدر اطمئنان لهذه الدول، ويقول مصدر اوروبي موثوق ان هذه المعارضة لم تستطع تقديم دلائل دامغة حول قدرتها على ضبط السلاح وعدم وقوعه بأيدي «القاعدة».

سارع قياديون في «المجلس الوطني» المعارض للتبرؤ من «القاعدة». اعتبر بعضهم ان كثرة الكلام الاميركي عن اختراقات «القاعدة» ستوفر للنظام فرصة ذهبية للانقضاض على المعارضة و«الجيش الحر» والمسلحين.
لا شك ان ما تقوله المعارضة السورية لا يصل الى الآذان الغربية الا اذا توافق مع مصالحها. القلق الغربي من «القاعدة» له علاقة بالمصالح الاميركية في المنطقة وباسرائيل. ذهب البعض الى حد القول لم يعد امام الغرب سوى الجيشين السوري والمصري للتصدي للتمدد الاسلامي في حال خرج عن ضوابطه. يبدو ان الروس سوقوا مرارا هذه المقولة.

لعل نظرة عابرة على الصحف الغربية من واشنطن الى لندن فباريس تعكس هذا القلق الغربي المتنامي. يقول مثلا الكاتب طوني باترسن في «الاندبندنت» البريطانية «ان تطور الاوضاع في سوريا كبير الخطورة، ذلك ان «القاعدة» باتت تظهر قوة متنامية في منطــقة مركزية في الشرق الاوسط، والحال هنا تختــلف عن مناطــق معزولة كباكستان او اليمن او الصومال، وان الربيع العربي بالتالي يمكن ان يتأثر بافكار بن لادن».
ثمة من يقول ان وجود «القاعدة» في سوريا يخدم اعداء دمشق. لا بأس مثلا ان تغرق سوريا في حرب اهلية يتم خلالها ارباك الجيش السوري بحرب داخلية طويلة، ويسهل التدخل الدولي لو تم اقراره يوما ما (برغم استبعاد ذلك حاليا)، كما ان «القاعدة» بما لها من بعد مذهبي سني تساهم في استنزاف ايران على الاراضي السورية.

ولكن بعض مراكز الدراسات الغربية باتت تشير الى عوامل قلق فعلية من تمدد التيارات السلفية و«القاعدية» في الجسد العربي، ذلك أن ما يحصل من ليبيا الى تونس مرورا باليمن ومصر وصولا الى سوريا، ينذر باحتمال خروج الامور يوما ما عن ضوابطها.
اذا كان البعض يربط التحذيرات الأميركية من «القاعدة»، بعدم رغبة واشنطن بالانزلاق الى المستنقع السوري، الا ان كثيرين باتوا يتحدثون عن قلق غربي حقيقي وفر غطاء غير مباشر لروسيا للبحث عن مخارج للازمة السورية برغم استمرار ازمة بقاء او عدم بقاء الرئيس بشار الاسد في أي حل مقبل.
تكمن مشكلة الاميركيين والغربيين في انهم رفعوا السقف عاليا في حديثهم عن اسقاط الاسد ونظامه، فباتوا اليوم غير قادرين على التراجع عن هذه المقولة وربما غير مرحبين ضمنيا بان يكون البديل نماذج خطرة من «القاعدة» والسلفية وغيرها.
ليس الوضع الامني في سوريا من النوع القابل للانتهاء بين ليلة وضحاها. لم ينضج في الافق اي حل سياسي. المطلوب هو ابقاء سوريا غارقة بحربها، ومضاعفة الاستنزاف الايراني سياسيا وماليا وامنيا عبر الساحة السورية.
يعتقد البعض ان مهمة كوفي انان مرشحة للفشل. ينتظر كثيرون ان تفشل للانتقال الى مرحلة اعلى من الضغط. يذكِّر آخرون بالعمليات الجوية ضد صرب البوسنة. تتحدث باريس عن «الفصل السابع» في مجلس الامن برغم السد الروسي الصيني المنيع.

كلها تحذيرات كلامية لتمرير الوقت حتى انجلاء الانتخابات الفرنسية اولا ثم الاميركية وحتى اكتشاف الاسس المقبلة للعلاقة بين روسيا والولايات المتحدة. ثمة قمم ولقاءات عدة مقبلة بين الطرفين يذهب اليها الروسي متسلحا بقوة داخلية وبسند كبير من دول «البريكس».
الشيء الوحيد الموحي بقلق كبير هو الوضع اللبناني. لا يستطيع الجيش السوري التراجع. مهما كان مستقبل مهمة أنان، ستمضي القوات السورية في العملية العسكرية ومطاردة المسلحين. قد لا يجد المسلحون مفرا سوى الهرب صوب لبنان. الحدود مع العراق باتت اكثر احكاما. الاتصالات الاستخباراتية مع تركيا والاردن لم تنقطع. من المرجح ان تتكثف العملية العسكرية وتتسارع اذا ما فشلت مهمة أنان. ليس اسهل وافضل من الاراضي اللبنانية لفرار عناصر «القاعدة»، هل يستطيع لبنان تطويق ذلك في المرحلة المقبلة؟
سمع مسؤلوون امنيون غربيون مثل هذه الهواجس من مسؤولين امنيين لبنانيين في الفترة الماضية. ومنهم من زار بيروت وعاد بملف مفصل عن مثل هذه الاحتمالات الخطيرة. النار السورية تقترب اكثر فاكثر من الاراضي اللبنانية والاطفائيون قلة.

السابق
زيارات خاصة
التالي
هجمةُ المحبِّين…