ما هي الخطة الأميركية الجديدة في سورية.. واين دور لبنان ؟!

منذ أن قادت أميركا العدوان على سورية في آذار 2011 وهي تتخبط بالفشل والإخفاق وتأتي النتائج معاكسة للأهداف التي وضعتها لخططها التي تقلبت في وجوه ثلاثة: خطة محاكاة الأنموذج الليبي عبر تلفيق حراك شعبي داخلي يُتكأ عليه في الجامعة العربية ليبرر تدخلا أطلسياً بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، الى خطة بقع الزيت الارهابية التي تقضي بإقامة المناطق المعزولة وإغلاقها اولاً ثم تمددها في الداخل السوري حتى تلتهم البلاد طولاً وعرضاً وتسقط النظام، الى التلويح بتدخل الحلف الأطلسي منفرداً خارج مجلس الأمن تحت عنوان معركة الدفاع عن تركيا العضو فيه، تنفيذ يكون بعد إقامة رؤوس الجسور في مناطق الجوار ثم الممرات الآمنة المحمية عسكرياً بقبول دولي صريح أو ضمني، من دون أن ننسى خطة إحداث انقلاب عسكري يختصر الوقت ويحقق الأهداف… خطط كثيرة اعتمدتها أميركا في الأشهر الـ14 الماضية من العدوان على سورية وكلها آلت الى الفشل، ولم تحقق عملياً الا القتل والدمار في المناطق السورية وهي خسائر لحقت بالشعب السوري ككل لكنها لا تصنف انتصاراً وإنجازاً للمخطط .

وفي المقابل أدت الصلابة السورية في مواجهة العدوان الأميركي هذا الى إسقاط مشروع النظام العالمي الجديد ذي الأحادية القطبية بقيادة أميركية (وهي الكارثة الاستراتيجية التي لا يمكن لأميركا تعويضها) وأدى الى تعطيل الجامعة العربية التي كانت تعتبر أداة أميركية تتكئ عليها أميركا في أكثر من قضية تعني سياستها من قضية فلسطين الى النزاع مع إيران الى قضية السودان وسواها من القضايا التي كانت أميركا تمرر قراراتها عبر تلك الجامعة، فضلاً عن تراجع قدرة أميركا على الضغط في ملفات دولية هامة كانت تهدد بها خصومها من قبيل الملف النووي الإيراني السلمي، ومسألة سلاح المقاومة في لبنان، وقضية اغتيال رفيق الحريري ومحكمة الابتزاز الخاصة بلبنان التي جعلتها أميركا بمثابة الكتيبة القضائية "الإسرائيلية" لملاحقة المقاومة. جملة من الخسائر الأميركية لا بد أن تعطف على حالات عدم الاستقرار في كل من مصر وليبيا وتونس البلدان التي سقط حكامها وتدخلت أميركا لاحتواء التغيير بما يناسب سياساتها لكن الخسارة لم تعوض حتى الآن وتبقى الأمور مفتوحة على كل الاحتملات هناك بما قد لا يناسب السياسة الأميركية.

في ظل هذه الحصيلة تجد أميركا أن التسليم بالفشل في سورية سيكون بحجم أو بمثابة خسارة حرب عالمية ثالثة تم خوضها غربياً بقيادة أميركية، خسارة لن تبقى تداعياتها محصورة في الحدود السورية، ولا في حدود الشرق الأوسط الضيق أو الكبير بل إنها ستترجم الى تحديد موقع أميركا في العالم كله، لهذا نرى أنه من الصعوبة بمكان على أميركا المسارعة الى إعلان الهزيمة وتقبل الفشل في سورية.

ثم ومن جهة أخرى تعرف أميركا ان اتجاه الحل السلمي الذي يروّج له الآن على يد أنان سيؤدي الى تثبيت سورية في موقعها الاستراتيجي مع دفع إضافي لقدراتها بعد تبلور التكتلات الدولية التي تعدت محور المقاومة والممانعة الذي تنتمي سورية اليه ما يعني أن نجاح مبادرة أنان السلمية برعاية دولية هو تكريس مهذب للهزيمة الأميركية. لأن أميركا لم تقم بعدوان على سورية من أجل الديمقراطية والإصلاح ـ وهي أصلاً لا تتقبلهما في دول العالم الثالث لأن إرساءهما يعني إخراج أميركا منها ـ إنما جاءت من أجل هدف وحيد هو تغيير الموقع السوري سياسياً واستراتيجياً والإجهاز على محور المقاومة وتصفية قضية فلسطين بعدها بما يناسب المصالح الصهيوأميركية. فإذا انتهى العدوان ولم يتحقق ذلك تكون الهزيمة قد وقعت ولا يخفف منها إصلاح يستفيد منه الشعب السوري فقط.

وعلى صعيد القدرات الأميركية وإمكانات ابتداع الخطط البديلة، تدرك أميركا جيداً أن ليس لديها الآن فريق سوري تراهن عليه لاستلام السلطة في ظل تشتت المعارضات وتناحرها ووهنها الشعبي والقيادي، كما أن ليس هناك قدرات فعلية أو ظروف موضوعية تمكنها من دفع الشعب السوري الى حرب أهلية عارمة، فضلاً عن أن القدرات العسكرية السورية والتماسك العسكري السوري في مستوى من القوة يسقط أي مراهنة على إجبار القوى المسلحة على الانكفاء او التراجع عن القيام بمهام حفظ الأمن والنظام والدفاع عن المواطنين وتحصينهم. أضف الى ذلك ان أميركا دخلت أو ستدخل في الشهرين المقبلين في السباق الانتخابي الرئاسي الأخير الذي سيحرمها من الوقت اللازم لادارة ملف بضخامة وخطورة الموضوع السوري.

لكل ذلك يبدو ان أميركا اعتمدت في سورية خطة بديلة حددت أهدافها بأمور ثلاثة وتنفذها على مرحلتين: أولى وتكون بعمليات إرهابية ترهق القوى العسكرية والفئات الشعبية ما يجعلها تتآكل وتضعف والثانية عبر توجيه الضربة القاصمة سياًسياً وعسكرياً في حال نجحت المرحلة الأولى أما أهداف هذه الخطة فهي:

– منع ظهور أميركا بمظهر المهزوم أو الفاشل أو العاجز عن المبادرة.

– منع الاستقرار في سورية لأن الاستقرار يوحي بانتصار النظام القائم وحكومته في معركته الدفاعية هو وحلفاؤه الإقليميون والحؤول دون نجاح السلطة السورية في اجتثاث الخلايا المسلحة (الاتكاء على مهمة المراقبين)، ومنعها من السيطرة على الشارع والتقدم في العملية الإصلاحية (تريد تعطيل الانتخابات)

– منع نجاح مبادرة أنان في الحل السلمي، مع الحؤول دون إعلان فشلها المبكر لأن أميركا بحاجة لها لكسب الوقت.

– تحضير القوى اللازمة للاستعمال عندما تتفرغ أميركا بعد انتخاباتها الرئاسية للموضوع السوري.

أما الترجمة الميدانية للخطة فتكون عبر:

1) الاستمرار في سياسة توزيع الأدوار بين مكونات جبهة العدوان على سورية بما يظهر فريقاً مع الحل السلمي وفريقاً مع التسليح والعمل العسكري .

2) تكثيف العمليات الإرهابية من قتل وتدمير وتفجير من أجل معاقبة الشعب السوري على احتضانه لنظامه السياسي ولحركته الإصلاحية، ودفع الشعب إلى اليأس من قدرة الحكم على استعادة السيطرة على الأوضاع ..

3) تكثيف توريد المسلحين والأسلحة الى سورية بما يمكن لاحقاً من فتح جبهات قتال ورسم خطوط تماس داخلية تبرر وجود قوات فصل دولية أو قوات ردع دولية على غرار قوات الردع العربية في لبنان في العام 1976، أو القوات الأجنبية في يوغوسلافيا (ونذكر بان الجنرال مود رئيس المراقبين الدوليين في سورية هو خبير في هذا الشأن وقد سارع الى القول بأنه يحتاج الى 5000 مراقب مسلح لديهم وسائل النقل الجوية والأرضية المدرعة).

4) تحشيد القوى العسكرية على الحدود مع سورية من أجل زجها في التوقيت المناسب الى الداخل السوري.

وعملاً بهذه الخطة تصاعدت العمليات الإرهابية ضد المدنيين وتكثفت الاعتداءات على العسكريين السوريين وعمليات استقدام المقاتلين وتهريب السلاح (كانت آخرها الباخرة الموجهة عبر لبنان) ، وهنا بدا الدور المحوري للبنان في الخطة الأميركية، نظراً لأهمية الشمال اللبناني الذي تريد أميركا تحويله الى قاعدة عسكرية لوجستية وعملانية من أجل تلقي المقاتلين والسلاح من الخارج وإدخالهم الى سورية، ومن أجل ذلك أوفدت أميركا خبير إدارة الازمات الشرق- أوسطية جيفري فيلتمان الى لبنان في مهمة ترهيب وترغيب تبتغي منها:

– كبح تدخل الجيش اللبناني في عمليات التهريب ودعم المعارضة السورية المسلحة انطلاقاً من الشمال. وطي ملف باخرة الأسلحة التي ضبطها ومنع تكرار التعرض للعمليات المماثلة، كما ومنع استثمار ملف الباخرة على أي صعيد داخلي او دولي خاصة مع أنان (تسرب انه هدد بقطع المساعدات الأميركية أو مضاعفتها حسب موقف لبنان).

– تحشيد الفريق الأميركي في لبنان (14آذار) وتنظيم صفوفه لمسك منطقة الشمال ثم منحه الامكانات اللازمة للعودة القوية الى الإمساك بالسلطة بعد انتخابات عام 2013 بالحؤول دون اعتماد قانون انتخابي يؤدي الى تمثيل صحيح يقود حتماً الى استمرار بقاء الفريق الأميركي خارج السلطة التنفيذية (كان في بدء مهمة فلتمان ولقائه مع جنبلاط الرافض للنسبية في قانون الانتخابات رسالة واضحة في هذا الشأن).

إذن تريد أميركا الآن كسب الوقت ومنع الحل والاستقرار في سورية، وتريد من لبنان مؤازرتها واستعادة الحكم لفريقها، وباختصار فهي تريد تعويض هزائمها من الباب اللبناني، فتقول لللبنانيين "احرقوا أنفسكم من أجل إنقاذي "، ورغم أننا لا نرى فرصاً جدية لنجاح الخطة الأميركية ضد سورية الا أننا نتخوف من مغامرات الحمقى في لبنان الذين قد يستجيبون لأميركا وهنا تكون النار التي لا ينجو من لظاها أحد.

السابق
بيروت اللقاء..
التالي
اليونيفيل بصدد سحب بعض وحداتها