السفير: فيلتمان وصي على الانتخابات .. وليبرمان على الحدود

فرض الحضور الدبلوماسي الأميركي إيقاعه على الساحة الداخلية أمس، من خلال زيارتي مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي جوزف ليبرمان، إلى لبنان، بالتزامن مع وصول نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي الى بيروت، في مشهد اختصر برمزيته جوهر الصراع في لبنان والمنطقة، بين خيارين إستراتيجيين، لكل منهما حلفاء وأصدقاء، على المستويين الداخلي والإقليمي.
وكان لافتا للانتباه ان الحراك الأميركي امتد من اللقاءات السياسية في العاصمة الى الاستطلاع الميداني على الحدود الشمالية مع سوريا، حيث صال ليبرمان وجال، من دون خجل أو وجل، داعيا الى تقديم الدعم للمعارضة السورية والنازحين، فيما كان فيلتمان يؤكد أهمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، على ان اللافت للانتباه هو ان الزائرين الاميركيين أبديا حرصا على عدم المجازفة بالاستقرار اللبناني الهش في ظل الأزمة السورية، ما يؤشر بوضوح الى أن واشنطن ما تزال تعطي الأولوية حاليا لهذه الأزمة.

إرجاء مجلس الوزراء
وبينما أعلن وزير الإعلام وليد الداعوق، بعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، عن إرجاء كل الأمور المالية الى جلسة اليوم في قصر بعبدا، علمت «السفير» ان الجلسة لن تعقد بسبب انشغال ميقاتي باستقبال فيلتمان، وتوقيع اتفاقيات مع رحيمي، علما ان مصدرا وزاريا في «الأكثرية» ربط السبب الحقيقي للتأجيل المحتمل بعدم توافر التوافق السياسي المطلوب حول الموضوعين الانتخابي والمالي، في وقت أكد رئيس «الاتحاد العمالي العام» غسان غصن لـ«السفير» ليل امس ان الإضراب العام سينفذ اليوم، حتى تحقيق المطالب الاجتماعية والمعيشية المرفوعة، وهو إضراب أثار في توقيته وحيثياته اعتراضات عدد من الاتحادات والنقابات التي رفضت المشاركة فيه، على وقع خلط أوراق في الحسابات السياسية، مما دفع بعض القوى النافذة الى رفع الغطاء عن تحرك الاتحاد الذي يبدو انه يواجه اليوم تحدي إثبات صفته التمثيلية.
ونأى القطاع التربوي بنفسه عن التحرك المقرر، حيث قال رئيس «رابطة أساتذة التعليم الثانوي» حنا غريب لـ«السفير» إن «الرابطة لم تدع إلى الإضراب، وهي غير معنية به»، بينما رأى عضو هيئة التنسيق النقابية نعمة محفوض، في تصريح لـ«السفير» أن «من غير المقبول استخدام لقمة عيش المواطنين ووجع الناس في الخلافات بين أطراف الحكومة»، موضحا ان نقابات المعلمين ليست منضوية تحت لواء الاتحاد العمالي العام. وأعلنت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية عن استمرار الدروس كالمعتاد اليوم، فيما التزمت ادارات معظم المدارس الصمت.
التحرك الأميركي
في هذه الاثناء، استأثرت زيارتا فيلتمان وليبرمان بالاهتمام أمس، فيما قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«السفير» انهما لا تعكسان بالضرورة تقدما في موقع لبنان على سلم الاولويات الاميركية، بل تعبران عن رغبة واشنطن في «صيانة» هذا الموقع، من دون إحداث أي تغيير في ترتيبه الذي ما يزال ثانويا حتى إشعار آخر، و«ملحقا» بالملف السوري، بينما ينصب التركيز الاميركي الاستراتيجي حاليا على سوريا حيث تحاول إدارة أوباما ان تتقدم بأقل كلفة ممكنة، وعلى أفغانستان حيث تحاول ان تنظم انسحابها بأقل الخسائر الممكنة.
ولاحظت المصادر ان فيلتمان وليبرمان أبديا قلقا من أي انعكاسات سلبية محتملة للأزمة السورية على الساحة اللبنانية وطرحا على المسؤولين العديد من الأسئلة التي تعكس هذا القلق، ما أوحى بأن واشنطن ترغب في عدم اهتزاز الوضع اللبناني في هذه المرحلة، في انتظار اتضاح مسار الأحداث في سوريا.
ورجحت المصادر ان يكون من أهداف لقاءات فيلتمان مع رموز 14 آذار «شدشدة» مفاصل هذا الفريق، الذي يشكل رأس الحربة اللبنانية في مواجهة النظام السوري، وحثه على البدء في تنظيم حملته للانتخابات النيابية، بما يجعلها جسر عودة لـ«14 آذار» الى السلطة.
بري للزائر الأميركي:

نتمسك بحقوقنا البحرية
الى ذلك، علمنا أنه، وخلال لقاء فيلتمان مع الرئيس نبيه بري، بحضور المستشار الاعلامي علي حمدان، أكد بري تمسك لبنان بحدوده البحرية إزاء محاولات القضم الاسرائيلية لها، مشيرا الى إصرار لبنان على الاستثمار في كل المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة له، ورفضه التفريط بأي جزء منها.
وأبلغ بري الزائر الاميركي ان الحكومة تعمل على صون الاستقرار الداخلي من خلال السياسة التي تتبعها، لافتا الانتباه الى انه إذا كان هناك قاسم
مشترك برز خلال الجلسات الاخيرة في مجلس النواب، فهو ان الكل يريدون الاستقرار ويرفضون تهريب السلاح الى سوريا عبر الحدود اللبنانية، منوها بالدور الذي يؤديه الجيش اللبناني على هذا الصعيد.

فيلتمان لجنبلاط: الانتخابات في موعدها
وكان فيلتمان قد التقى فور وصوله الى بيروت، أمس الاول، النائب وليد جنبلاط الذي أقام مأدبة عشاء في كليمنصو على شرفه والوفد المرافق، بحضور السفيرة مورا كونيللي.
وأبلغنا أوساط قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي  ان زيارة فيلتمان الى لبنان استطلاعية بالدرجة الأولى، وهي تندرج في إطار الجولات التي يقوم بها مسؤولون أميركيون على المنطقة من حين الى آخر. وأوضحت الأوساط ان فيلتمان شدد خلال اللقاء مع جنبلاط على أمرين: الحفاظ على الهدوء في لبنان ومساعدة النازحين السوريين، ملاحظة ان فيلتمان لم يأت على ذكر إيران لا من قريب ولا من بعيد.
وفي معلومات لنا ان جنبلاط أثار خلال الاجتماع مسألة الانتخابات النيابية المقبلة، وشرح موقفه المعترض على النسبية، فيما أكد فيلتمان أهمية الانتخابات، وضرورة إجرائها في موعدها.
كما زار فيلتمان امس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

ليبرمان على الحدود الشمالية
وفي حين كان فيلتمان يجول على القيادات اللبنانية، قام عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جوزف ليبرمان، مع الوفد المرافق له، بزيارة خاطفة الى الحدود اللبنانية الشمالية مع سوريا، ما طرح تساؤلات حول الغاية من هذه الزيارة التي تم استباقها بتعليق أعلام «الثورة السورية» في أكثر من بلدة عكارية حدودية، ورفع لافتات تضمنت عبارات نابية ضد الرئيس السوري بشار الأسد. وجال الوفد على المعابر الحدودية، ثم زار منزل رئيس «هيئة إغاثة النازحين السوريين» محمود خزعل، واجتمع بعدد من النازحين.

سليمان: نرفض مقولة الأقليات
واجتمع ليبرمان مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وناقش معهما العلاقات الثنائية والوضع في سوريا.
ولخص مصدر مطلع على أجواء اجتماع بعبدا لـنا مجريات النقاش كالآتي:
بداية، سأل سليمان عن الانتخابات الرئاسية الاميركية، فقدم ليبرمان شرحا مقتضبا عنها، مشيرا الى ان مراحلها تُنجز بسلاسة وفق المعايير الديموقراطية الاميركية. ثم تناول الحديث الوضع في المنطقة عامة، وجرى التشديد على أهمية سلوك الخيار الديموقراطي، ورفض كل أشكال التطرف والانغلاق.

وتكلم ليبرمان عن الوضع بين اسرائيل والفلسطينيين، معتبرا ان على الفلسطينيين توحيد صفوفهم وإجراء انتخابات تنتج قيادة موحدة وزعيما يمتلك كامل التفويض للجلوس مع الجانب الاسرائيلي، وجدد موقف بلاده لجهة دعم حل الدولتين، مع التأكيد ان أي حل يجب ان يحفظ أمن إسرائيل.
وسأل ليبرمان رئيس الجمهورية عن موقفه من التطورات في سوريا، فجدد سليمان تأكيد ضرورة الحل السياسي ودعم مهمة كوفي أنان، مشيرا الى ان الشعب السوري يجمع، بالموالين والمعارضين، على الخيار الديموقراطي، وبالتالي فإن أي حل يجب ان يكون بعيدا عن العنف، مع رفض أي تدخل عسكري خارجي.
كما سأل ليبرمان عن المخاوف من انعكاس التطورات على الاقليات، فرد سليمان برفض مقولة الاقليات، لافتا الانتباه الى ان «هناك مكونات في المجتمع العربي، وداخل كل دولة عربية، وبالتالي نحن نرفض ان يؤدي ما يحصل راهنا الى دفع بعض المكونات الى ترك هذه المجتمعات لتحل مكانها مكونات أخرى». ورأى سليمان ان الحفاظ على تلك المكونات لا يكون إلا عبر المسار الديموقراطي الذي يحفظ لها دورها وموقعها في القرار الوطني، وإشراكها في الحياة العامة بجوانبها المختلفة.
وأعرب ليبرمان بعد لقائه ميقاتي عن قلقه من الصراع الحاصل في سوريا، ومن عدم تقديم ما يكفي لدعم المعارضة السورية، موضحا انه طلب مساعدة النازحين، ومشيرا الى «ان رئيس الوزراء قلق ونحن ايضا من ان يمتد الصراع في سوريا الى الدول المجاورة وخصوصاً لبنان».

الحضور الإيراني
على خط مواز، عرض نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي مع الرئيس نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية، بحضور وفدين لبناني وإيراني، «العلاقات اللبنانية – الايرانية ومجالات التعاون بين البلدين وضرورة تثمير الاتفاقات ومذكرات التفاهم الثنائية لما فيه مصلحة البلدين».
وزار رحيمي والوفد المرافق، مساء أمس، ضريحي السيد محمد حسين فضل الله والشهيد عماد مغنية ووضع إكليلين من الزهور عليهما.

السابق
النهار: الإضراب العمالي يظلِّل الخلافات الحكومية المتصاعدة
التالي
إحراج مزدوج حيال الزيارتين