عبث

هل هي معركة النسبية أو الإنفاق المالي، أو "التركة الثقيلة" أو الدفاع عن العمالة، أو تصدّر قائمة ممانعي هذا الزمن، أو إبقاء الأمل معلّقاً كيفما كان في شأن كرسي الرئاسة، أو الدفاع عن نظام الأسد، أو الانخراط في تخريصة "حلف الأقليات"، أو الذهاب الى آخر المطاف وآخر الخزينة العامة في ملفات المازوت والكهرباء، أو الاستمرار في لعب دور بائس في الحرب على المحكمة الدولية وفي التبرّع لتغطية عشوائية لأي ارتكاب قاتل أو على حافة القتل يطال رموز 14 آذار وقادتها؟!.. أم هي معركة العبث مع أوهام ركبت في رأس صاحبها وحوّلته الى شبه آلة غريزية يكفي لمس أي موضع فيها حتى تبدأ في الصراخ؟!

قصّة النائب ميشال عون في الحياة السياسية لا تنقصها الفرادة ولا التمايز ولا الاستثناء.. والمكرمات الثلاث يا اخوان، يندر أن تجتمع في موضع سلبي كما هي في هذه "الحالة"… هي في الأساس تستخدم كدلالات في سياق التفخيم اللغوي والمبالغات الطنّانة للمديح وليس للنقد، وللاعلاء وليس لكشف الأمراض، وللتفخيم وليس للتنغيم الهادف. ولكنّ لبعض الضرورات أحكاماً غريبة:

فرادة ذمّ الآخرين بما هو فيه أصلاً وليس فيهم. واستثناء الدخول في معارك وحروب من دون أن ينتصر في واحدة منها، ومع ذلك يروح ينفخ في تاريخه بدل أن ينضبّ ويستتر. وتمايز يجعله فريد نوعه. لا قبله حَضَر مثله. ولا راهناً من يشبهه ويتشبّه به. ولا مستقبلاً (والعلم عند الله) يمكن أن يجود الزمان بتركيبة مماثلة!

أصاب من تلقّفه ورعاه عشية جريمة 14 شباط 2005. ثم حضنه بعدها.. من ارتكب مثل تلك الجريمة الاستثنائية عَرفَ انه يحتاج الى شخصيات وأدوات "استثنائية" لمواكبتها. جموح الاغتيال يدل الى جموح الخيارات السياسية "الأخيرة". وليس مثل الجنرال المنفي من يعبّر عن ذلك الجموح. ومن يذهب من بداية الطريق الى آخرها دفعة واحدة. ومن يحرق المراحل بالمراجل، ومن يعيث فساداً في ملعب المستهدَفين. يربكهم بلغوياته، ويستخدم عدّتهم لدكّ أسوارهم!
يعرف انه مكشوف ويمعن في التمويه. ويعرف انه يخسر ويمعن في المراهنة. ويعرف انه "مستحيل" ويمعن في المحاولة. يعرف ويبلف، ويعرف وينكر، ويعرف ويمعن. والأخطر من كل ذلك، انه يعرف أكثر من كل الناس، تقويم أصحابه له قبل أخصامه، ومع ذلك يستمر، ممتطياً صهوة العبث..جنرال العبث! عبث!

السابق
النفط!!
التالي
الراي: كالداس: نصر الله صوّب عليّ ليضرب التحقيق باغتيال الحريري