الميشالان

منذ سنتين ونحن نقول، في هذه الزاوية، انّ صراع الجنرالين «الرئيسين» الميشالين سيكون مدمّراً على ما تبقى من حال مسيحية تتآكل يوماً بعد يوم.

وهذا الصراع طبيعي في المفهوم المسيحي (الماروني تحديداً) منذ ما قبل الاستقلال حتى اليوم. فالثنائية المسيحية كانت علامة فارقة دائمة في مسار العمل السياسي الماروني. تارة تتخذ طابع الصراع على الزعامة المسيحية في المطلق وكثيراً ما تتمثل بين الزعيم المسيحي الأول وبكركي، وطوراً تتخذ طابع الصراع على الزعامة، وتتمثل في المنافسة الشديدة بين الزعيم الأول ومن يليه في الزعامة. ونادراً ما عرفت الساحة المسيحية زعامةً آحادية القطب. وحتى مع الرئيس الشهيد بشير الجميل كان العميد ريمون اده في مكانٍ آخر.

وهكذا هو المسار، فمنذ الخلاف الشديد بين يوسف بك كرم والبطريرك بولس مسعد أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الى الصراع بين بشارة الخوري واميل اده، فبين كميل شمعون وحميد فرنجية، ثم كميل شمعون والبطريرك الكاردينال بولس المعوشي، فبين كميل شمعون وفؤاد شهاب (…) ثم بين ميشال عون وسمير جعجع، ومن ثم بين عون (رئيس الحكومة الانتقالية ثم زعيم الاكثرية المسيحية) والبطريرك الكاردينال نصر الله صفير. وأخيراً بين الجنرال ميشال عون ورئيس الجمهورية الجنرال ميشال سليمان.

ويبدو من هذا السياق ان الساحة المسيحية كانت، دائماً، تعيش ثنائية يرى فيها البعض دليل عافية وديموقراطية ونزعة الى الحرية، بينما يرى فيها البعض الآخر دليلاً على تناحر عبثي على الزعامة، أدى في النتيجة الى خسارة المسيحيين دورهم الذي كان رائداً وأساساً في قيام الكيان اللبناني.

ومهما كان الوصف الذي يُغدق على هذه الثنائية (وهي بالفعل أكثر من ذلك، اذ ثمة قوى ومواقع فاعلة أخرى وان كان دورها أقل من الاثنين الاولين) فإنّ الصراع الدائر حالياً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الكتلة النيابية المسيحية الأكبر وثاني أكبر كتلة نيابية مختلطة) من شأنه ان يقضي على آخر ما يتبقى للمسيحيين من نفوذ يتبخّر من بين أيدي المسيحيين تدريجاً، وإنما بسرعة لافتة. خصوصاً وان الصراع بين الزعيم الأول وشاغل المركز الأول يوازيه صراع بين هذا الزعيم والآخر (سمير جعجع) الطامح الى إزاحته والحلول محله في المقدمة. والموضوع يحتاج الى غير بحث وتفصيل.

السابق
تدشين مزار للسيدة العذراء في جدرا
التالي
الحب الحقيقي ؟!