التعريف الناقص لما يُسمّى بمثلّث الشعب الجيش والمقاومة

بقاء لبنان على أهبة الإستعداد لمواجهة أخطار العدو الإسرائيلي هو حاجة وطنية وإنسانيّة وأخلاقيّة لا يختلف عليها اللبنانيّون، فتاريخ هذا العدوّ شاهد على إجرامه، وحاضره مؤشّر جليّ على عدوانيّته وعلى رفضه لكلّ مبادرات السلام القائمة على الشرعيّة الدوليّة كما على تمسّكه بسياسة القضم والإستيطان وطرد الفلسطينيّين من أراضيهم وأملاكهم وأرزاقهم بهدف الوصول يوماً إلى الوطن المنشود لليهود دون غيرهم على كامل أراضي فلسطين والجولان وجزء من جنوب لبنان.

ولكن تعريف بما يُسمّى بمثلّث < الجيش – الشعب – المقاومة > ليس بهذه البساطة التي يطرحونها باستمرار عبر الإعلام، ….. ومنطق كـ: نحن مقاومة ولسنا بحاجة لترخيص من أحد كي نقاوم إسرائيل بالطريقة التي نراها مناسبة ……… أو دعونا وشأننا …. أو دعونا نقاوم و"حلّو عنّا"، …. أو أحضروا لنا السلاح ودافعوا عنه، …. وغيرها ……. كلّ هذا المنطق الضعيف لا يُمكن أن يسري على وطن تتقاسمه شرائح متعدّدة ويظلّلها إنقسام كبير وحادّ ليس حول المقاومة كمقاومة في وجه العدوّ الإسرائيلي … بل حول المقاومة كمنظومة وهيكليّة وقرار سياسي.

المسألة بسيطة جدّاً ولا مجال لإساءة فهم جوهر المشكلة مع العلم أنّ الكثيرين يحاولون جاهدين تضييع هذا الجوهر وذرّ الرماد في العيون تحت عناوين وشعارات مختلفة، فيما يتمحور هو حول النقاط التالية:

النقطة الأولى: المقاومة اللبنانيّة بشكلها الحالي هي مجموعة مسلّحة من لون طائفي ومذهبي واحد، ويتبع قرارها لحزب سياسي محدّد يمثّل شريحة أساسيّة من الشعب اللبناني، له فكره وقناعاته ورؤياه الخاصّة …. تماماً كأيّ حركة سياسيّة أساسيّة أخرى في لبنان

– السؤال الأوّل: هل يجوز أن تكون حركة المقاومة الوطنيّة المسلّحة من لون طائفي واحد ؟

– السؤال الثاني: هل يجوز أن تكون حركة المقاومة الوطنيّة المسلّحة من لون مذهبي واحد ؟

– السؤال الثالث: هل يجوز أن تكون القرارات السياسيّة والعسكريّة لحركة المقاومة الوطنيّة بيد حزب سياسي محدّد ؟

النقطة الثانية: الحزب الذي "يتحكّم" بالمقاومة المسلّحة يريد التفرّد بتحديد الخطوات والزمان والمكان في أيّ عمل عسكري ضدّ العدوّ الإسرائيلي … تحت حجّة أنّ الظروف هي التي تفرض التحرّك وليس المزاجيّة.

– السؤال الأوّل: هل يجوز أن يأخذ الحزب قراراً منفرداً بضربة عسكريّة (حتّى لو كان هذا القرار بالمفهوم الوطني صائباً) وهو يدرك أنّ تبعات قراره هذا قد يكون لها آثاراً كارثيّة على الوطن بأكمله بشراً وحجراً واقتصاداً وتماسكاً ووحدة وطنيّة ؟

– السؤال الثاني: وهو مبني على السؤال الأوّل، أليس من الصواب والحكمة والمنطق أن تكون القرارات التي تحمل في طيّاتها مسارات الحرب والسلم محلّ إجماع الغالبيّة الساحقة من الشعب اللبناني بكلّ أطيافه ؟

النقطة الثالثة: الحزب الذي "يتحكّم" بالمقاومة العسكريّة المسلّحة، يعمل على توسيع بنيته العسكريّة واللوجستيّة على مساحة الوطن باستقلاليّة تامّة عن مؤسّسات الدولة اللبنانيّة وأجهزتها الأمنيّة والعسكريّة

– السؤال الأوّل: هل يجوز أن تكون هناك جزر أمنيّة مستقلّة عن الدولة ومراكز عسكريّة خاصّة منتشرة من شمال الوطن إلى جنوبه عبر ساحلة وجباله وبقاعه تحت شعار "حيثيّات وضرورات العمل المقاوم"، وكلّ هذه تابعة لحزب سياسي محدّد ؟

– السؤال الثاني والأخطر في كلّ هذه المقاربة: هذا الحزب يقول ويؤكّد أنّه لا يحتكر وليس بوارد إحتكار العمل المقاوم ضدّ إسرائيل ….. إذاً ما الذي سيمنع أحزاب أخرى من تأسيس حركات عسكريّة مسلّحة "لمقاومة إسرائيل" وإنشاء جزر أمنيّة "ضروريّة" لحماية الكوادر واستحداث مراكز عسكريّة ؟؟؟ ومن هو الطرف المؤهّل والصالح للسماح أو عدم السماح بإنشاء حركات مقاومة مسلّحة ؟؟؟ وعلى أيّ أسس سيتمّ الرّفض أو القبول ؟؟؟ وما هي المعايير ومن الذي وضعها أو سيضعها ؟؟؟ وهل هناك أحزاب "بسمنة" وأخرى "بزيت" ؟؟؟

النقطة الأخيرة وهي سؤال بحدّ ذاته: هل أصبحت المطالبة بأن تكون الدولة اللبنانيّة، التي يتمثّل بمؤسّساتها الدستوريّة المختلفة الأكثريّة الساحقة لهذا الشعب اللبناني، هي المرجع الصالح في كلّ الأمور المصيريّة وعلى رأسها قرارات الحرب والسلم، …. عملاً خيانيّاً ومشبوهاً ؟؟؟ هل أصبحت المطالبة بأن يكون الجيش اللبناني، الذي يضم في صفوفه جنوداً من كلّ أطياف الوطن، هو وحده المسؤول في الدفاع عن حدود الوطن، … عملاً تآمريّاً صهيونيّاً أمريكيّاً ؟؟؟

لا يجوز لحزب الله أن يكمل مسيرته على هذا النحو إذا كان الهدف هو فعلاً الوصول إلى الوحدة الوطنيّة والوطن المتماسك والشعب المقاوم، … ولا بدّ من العودة إلى طاولة الحوار الوطني من أجل النقاش وطرح الأمور والتوافق إنطلاقاً من النقاط والتساؤلات المطروحة أعلاه لإيجاد الحلّ والتوافق على الإستراتيجيّة الدفاعية الأفضل لحماية الوطن، ….. وكلّ هروب من أو تحييد عن جوهر الخلاف هذا .. إنّما سيكون بمثابة المراوغة وتضييع الوقت خدمة لمشاريع … غير وطنيّة، ………. وتمسّك حزب الله بطروحاته ورؤياه الحاليّة في ظلّ هذا الإنقسام الأخطر منذ نشأة لبنان … سيفتح على الوطن أبواب جهنّم عاجلاً أم آجلاً … لأنّ ما يحقّ له سيحقّ لغيره أيضاً.

المسَلّم به هو أنّ المقاومة المسلّحة ستكون عامل صمود ونصر وتماسك وصون وطن في حال وجود إجماع شعبي وطني حولها حتّى لو اقتصر تسليحها على السكاكين فقط، ولكنّها ستكون عامل انكسار وهزيمة وتفتّت وتفكّك وطن في حال وجود انقسام شعبي وطني حولها حتّى لو امتلكت 200 ألف صاروخ.
 

السابق
تجمع لبنان المدني: النسبية مدخل لابراز التنوع الحقيقي
التالي
إنفجار قنبلة صوتية أمام مسجد الوحدة الإسلامية في المساكن الشعبية