النسبية… جدلٌ ودجلٌ

"الزعيم الاوحد" هي الفكرة التي تلهب شهية امراء الطوائف اللبنانيين للسلطة، وتنعش نرجسيتهم التي تكاد تختصر فكرة الزعيم في بلادنا، لا بل رجل الدولة الذي ابتلي بأمراض السلطة فيما هو يتلقى حكم البراءة من تهمة بناء الدولة.
مقاربة قانون الانتخاب تأتي من هذا المرض وتلك البراءة. وهكذا يطوق السعي والنقاش اللبناني من اجل قانون انتخاب يقوم على قاعدة النظام النسبي. ومهما القيت قصائد المديح لنسائم التغيير نحو الديمقراطية في العالم العربي من قبل قوى 14 آذار والنائب وليد جنبلاط، الا ان ذلك لا يجد صداه لدى اي محاولة لاحداث خرق جدي في بنية النظام السياسي اللبناني المتكلس، سواء في الدفع الى تثبيت "الدولة المدنية" التي تقوم على قواعد المساواة بين المواطنين، او على التمييز بين هوية الانتماء الديني والطائفي وبين الهوية السياسية للمواطن، او لجهة الحد من الاستقطاب الطائفي المدمر لأصحابه قبل سواهم.

ومن آخر التقليعات لدى زعيم تيار المستقبل انه ضد اعتماد النسبية "في ظل السلاح"، والمقصود بطبيعة الحال سلاح حزب الله. ولم افهم شخصيا كيف ان النظام النسبي يمكن ان يكون اكثر طواعية للسلاح من النظام الاكثري. ربما قد يكون الحريري مقنعاً للبنانيين فيما لو قال ان لا اصلاح في الدولة او النظام السياسي والانتخابي قبل تنظيم هذا السلاح او نزعه، وبالتالي هو يضع قضية السلاح فوق ما عداها من قضايا تنخر بنيان الدولة وتزيد من الاصطفافات العصبية والعبثية. لكن هذا الاقناع يتطلب أيضًا تفسير مدى جديته واستعداده لمقاربة هذه القضية وما هي الخطة الناجعة التي ستؤدي الى معالجة هذا الملف اللبناني الخلافي من دون الوقوف على رصيف المعادلات الدولية والاقليمية او في محطة الانتظار.
النائب وليد جنبلاط متضامن مع الحريري في نسف "النسبية" او رفضها. فهو لا يريد من الزعامة، التي يمهد لنجله تبوّئها، ما يعكر صفاء الانتقال السلس من الاب الى الابن، اطال الله في عمر الإثنين. إذ يتفق جنبلاط والحريري على فكرة النوع. والرجلان يريدان زعامة طائفية صافية كل لنفسه. لذا فالنائب الدرزي، بالنسبة لزعيم الدروز، لا يوازيه نائبان او ثلاثة من طائفة اخرى، اي ان جنبلاط اذا خير بين كتلة نيابية تتكون من 8 نواب دروز او كتلة تضم نصف هؤلاء + 10 نواب من طوائف اخرى فهو ينحاز الى النوع لا الى الكم. وهذا شأن سعد الحريري بالنسبة الى السنة. فالرجلان لا يريدان لاحد ان يشاركهما جنة الطائفة وحق النطق السياسي باسمها.

الدجل النسبي في مكان آخر: هو في الضفة الاخرى، عند من يطرح "النظام النسبي" في اطار المساومة السياسية ولعبة الابتزاز في ضفة 8 آذار، التي ليست في أحسن حال من عقدة النطق باسم الطائفة او عقدة عد الاصوات الصافية مذهبيا وطائفيا.
فقد ذهب حزب الله، عبر اكثر من مسؤول لديه، الى القول بعدم وجود مشكلة حيال اي قانون انتخابي يعتمد، باعتبار أنّه، بالتأكيد، يمتلك من القدرة التمثيلية والنفوذ والتحكم المالي والعسكري والامني ما يجعله، كأي سلطة في العالم الثالث، ضامنة لحجم تمثيلي نيابي مهما كان النظام نسبيا او اكثريا. لكنه، كما حليفه الرئيس نبيه بري، يدرك ان "المقاومة" التي يختصر تمثيلها كفيلة باعادة التوازن فيما لو اختل لصالح خصومهما. وبالتالي ايا كان القانون فثمة نتائج سياسية ثابتة بالقوة.

في النتيجة يتضح أن الجدل اليوم حول النظام النسبي في الحكومة او مجلس النواب هو بالضرورة دجل سياسي يستهدف تثبيت ما هو قائم وإيصاد النوافذ في وجه اي نسائم تغيير تساهم في خلق افق جديد للحياة السياسية خارج الانقسام المذهبي او الطائفي. فالتغيير ليس في زيادة عديد نواب تيار المستقبل وحلفائه، او امتلاك حزب الله الاكثرية النيابية ما دام ثمة اصرار ومصلحة لدى اطراف اللعبة السياسية على تخويف طوائفهم من شيطان غالبًا ما يكمن في المذهب الآخر في الطائفة الاخرى. التغيير الأفضل بالنسبة إليهم هو في الحصول على نواب الطائفة كلّهم، إضافة إلى آخرين، وليس أقلّ من ذلك.

السابق
قادة العراق يدعون بغياب المالكي الى تفعيل “آليات الديمقراطية”
التالي
الأنوار: الحكومة المنقسمة تتراجع امام مشاكل الانفاق المالي والاضراب العمالي