دمشق تحضّر لمعركة ذات نَفَس طويل

يقول سياسيون قريبون من دمشق إن توقيت انفجار حي الميدان الدمشقي أمس، الذي تزامن مع بدء مهمة المراقبين الدوليين، يُذكّر بتوقيت مماثل لانفجار وَقع في الحي نفسه قبل أشهر عدة، وتزامن مع بدء مهمة بعثة المراقبين العرب.

ويسخر هؤلاء السياسيون من الاتهامات التي يوجّهها بعض أطراف المعارضة السورية الى السلطة بأنها تقف وراء هذه الانفجارات، ويقولون "إن القاصي والداني يعرف أن مثل هذه الانفجارات، وفي العاصمة السورية تحديداً، من شأنها أن تهزّ صورة الاستقرار التي يحرص النظام على رسمها للأوضاع في سوريا، خصوصاً في دمشق، والتي كان استقرارها منذ بداية الأحداث هو أحد علامات القوة لمصلحة النظام". ويضيفون: "انّ مَن يدرس أسماء المستهدفين بالاغتيالات، بالاضافة الى طبيعة التفجيرات التي تستهدف أنابيب النفط والغاز، يُدرك مَن هي الجهات التي تقف وراءها، خصوصاً ان تفجير هذه الأنابيب يأتي في اطار حملة اقليمية ودولية لفرض عقوبات اقتصادية تشمل ما يسمّى "السلع الاستراتيجية" التي يحتاجها المجتمع السوري، وفي طليعتها المحروقات".

كذلك يُدرِج السياسيون إيّاهم هذه التفجيرات "في سياق المجاهرة بالدعوة الى تدخّل أجنبي وعسكري في سوريا بذريعة حماية المدنيين. لأنّ إبقاء الوضع الأمني متوتراً وسقوط مزيد من الضحايا، بغضّ النظر عمّن يتسبّب في القتل، يساهم في تأجيج الأجواء الدولية والاعلامية ضد سوريا، ويزيد في إحراج اصدقائها".

ويؤكد القريبون من دمشق أيضاً انّ تزامن هذه الانفجارات مع شعار جمعة "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" الذي اختارته المعارضة للتظاهرات أمس، يكشف "أن يأساً من إمكانية اسقاط النظام بات يحاصر كثيراً من قيادات المعارضة المقيمة في الخارج وحلفائها الاقليميين والدوليين، وهذا اليأس قد انسحب على قرارات مجلس الجامعة العربية الأخيرة التي اكتفت بالدعوة الى مؤتمر لتوحيد المعارضة منتصف أيار المقبل. فيما أصرّ الامين العام للجامعة نبيل العربي على التأكيد ان طلبها من مجلس الامن الدولي وَقْف العنف في سوريا لا يتضمن أبداً دعوة الى تطبيق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وذلك خلافاً لِما حاولت معارضة الخارج وبعض حلفائها الترويج له في إطار زيادة الضغوط على دمشق".

وفي المقابل، توقّف سياسيون عند حديث نُسب الى الرئيس بشار الاسد بأن "الازمة في سوريا ما زالت في بدايتها"، ورأوا أنه جاء على عكس ما قيل في الاشهر الاولى للأزمة عن قرب حسمها "ما يشير الى ان دمشق تُحضّر نفسها لمعركة ذات نَفَس طويل، مدركة أن مثل هذه التفجيرات لا تُسقط أنظمة قوية، فهي لم تُسقط النظام الجزائري على مدى 20 عاما، كذلك لم تُسقط الحكومة العراقية على رغم اعتمادها لدى اكثر من جهة لتغيير المعادلات في بغداد، ناهيك عن تفجيرات شهدتها على مدى سنوات كلّ من بريطانيا على يد "الجيش الجمهوري الايرلندي"، واسبانيا على يد "الباسك"، وايطاليا على يد "الالوية الحمراء"، واليابان على يد "الجيش الاحمر"، لأنّ أنظمة هذه الدول محصنة في مواجهة هذه التفجيرات، وإن كان الابرياء يدفعون الثمن دائما.

وفيما يعتقد البعض ان هذه التفجيرات لن تؤثر في مهمة المبعوث الاممي كوفي انان، والتي ينتظر ان تستمر أشهراً حتى جلاء الموقف في انتخابات الرئاسة الفرنسية والاميركية، فإنّ المراقبين يعتقدون ان مثل هذه التفجيرات ستجعل من الموقف الروسي والصيني أكثر قوة في المحافل الدولية، لأنه يؤكد أن القسم الاكبر من القتل تتحمّله المعارضة المسلحة، وبالتالي فإنّ القوى التي تجاهر بدعم المعارضة والدعوة الى تسليحها قد تُصبح هي الاخرى متهمة بإدامة العنف في سوريا، وهو امر بدأ ينعكس على

الموقف السياسي والديبلوماسي لدول كبرى بدأت تتحدث عن زيادة عقوبات بدلاً من الحديث عن تنحّي الاسد.
ولعلّ التحقيق مع بحّارة السفينة التي تمّت مصادرتها أمس في المياه الاقليمية اللبنانية، والمتوجهة بمستوعباتها المليئة بالاسلحة الى سوريا، قد يكشف بعض مصادر التسليح، وقد يعرّضها للمحاسبة والمساءلة الدولية، وربما حتى للملاحقة القضائية الدولية، وانّ احتجاز هذه السفينة سيكون له، من دون شك، تداعيات كبرى على مجمل الاوضاع السورية، حسبما يتوقع سياسيون يتابعون وقائع الازمة السورية.

السابق
التاريخ يعيد نفسه
التالي
تنسيق عوني ــ قومي