ساركوزي يستدعي وحش الإسلام

من اجل الاليزيه. المساكنة مع مارين لوبن، تهمة شائنة يرد عليها بلطخة المتعة السياسية مع طارق رمضان حفيد حسن البنا، مؤسس «الاخوان المسلمين». الرئيس المرشح نيكولا ساركوزي متهم بردة سياسية عن قناعاته الجمهورية. المرشح اليائس لا عزاء له بعد هزيمته في الدورة الأولى، ولن يجد ما يثنيه عن المضي في مغازلة ناخبي مارين لوبن العنصرية، ما لم تتوقف الاستطلاعات، بإجماع لافت، عن إحلال الهزيمة به مهما فعل. اقلها سوءا لا يدنيه من خصمه إلا بعشر نقاط: 55 في المئة للاشتراكي فرنسوا هولاند، في مقابل 45 في المئة رغم الهرولة.

هكذا شن المرشح ساركوزي هجومه المضاد على يسار ووسط الطبقة السياسية الفرنسية، التي تتهمه جماعة بخرق احد محرمات الجمهورية عندما تبنى شعارات اليمين المعادي تاريخيا لقيمها من اجل الحصول على اصوات لا بد منها للفوز بالاليزيه. الرئيس ساركوزي زج بالإسلام الفرنسي في المعركة، ضد فرنسوا هولاند. اخرج من جعبته تصريحا نسبه للمثقف الاسلامي طارق رمضان، دعا فيه المسلمين للتصويت لفرنسوا هولاند. من المفترض أن يكون المثقف الاسلامي السويسري الجنسية، قد ادلى بدعوته الهولاندية امام مئة الف مسلم فرنسي في تجمع اقامه «اتحاد المنظمات الاسلامية» في العاشر من آذار الماضي، وهو الجناح الفرنسي لحركة «الإخوان المسلمين».

ولطارق رمضان سمعة من نار لاذعة، ما انفكت ازاءها وسائل الإعلام الفرنسي وقطاع واسع من المثقفين الفرنسيين، عن النفخ في جمر من الالتباس والازدواجية. المثقف الاسلامي، متهم بالدعوة ظاهرا إلى اندماج الاسلام في اوروبا، وباطنا بالعمل على اسلمتها. ويكفي أن يقال ان رمضان حفيد حسن البنا، الذي نجحت وسائل الاعلام الفرنسية بتنجيمه وجده البعيد حتى في اكواخ الارياف القصية، هولاندي الهوى، حتى يصبح المرشح الاشتراكي متهما بفعلة خطرة وغامضة: اقلها بالتساهل مع الغزو الإسلامي لأوروبا، وأبعدها بالتواطؤ مع المثقف الغامض، وخططه الشريرة.

تراشق الطرفان طيلة النهار بتهمة استحسان طارق رمضان للآخر. جريمة هولاند أن رمضان يؤيده، دون طلب منه. الاتهام يندرج في استراتيجية ساركوزي لتخويف الخائفين اصلا في احضان «الجبهة الوطنية» من حلف اشتراكي – إخواني – إسلامي. «طارق رمضان طلب من المسلمين التصويت لهولاند»، قال ساركوزي. وتطوع ساركوزيون متحمسون لشرح التهديد الذي يمثله المثقف طارق رمضان. الهولانديون شرحوا ان طارق رمضان لم يقل انه يدعم مرشحهم، كما انه لم يذهب ابعد من دعوة من استمعوا اليه، إلى التصويت ضد ساركوزي، وكان حديثه في الدورة الأولى، في سباق ضم عشرة مرشحين ولم يقتصر على هولاند وساركوزي. وانقذ رمضان نفسه هولاند من الحيرة والابتزاز، بالتذكير بانه لم يطلب سوى التصويت ضد ساركوزي.

لكن الهدف الحقيقي من استدعاء رمضان والتباسه، إلى الحملة الانتخابية، لا يتوقف على مبادلة التقرب من العنصرية ومساواتها بتقرب الاشتراكي من الاسلاميين. ذلك أن ساركوزي يسعى إلى فتح باب خلفي لحصاره في سرير «الجبهة الوطنية»، لاستدعاء الإسلام الفرنسي، والاقتراع الإسلامي إلى الحملة الانتخابية، بصفته ورقة رابحة وسهلة الاستخدام ضد اليسار. ورغم انه لا توجد دراسات جدية، او قابلة للنشر في بلد يحرم الإحصاءات الدينية او العرقية، إلا ان التجمعات التي تعيش فيها اكثرية اسلامية في الضواحي الفرنسية وفي الجنوب الفرنسي، دأبت تحت تأثير النقابات، على التصويت بنسبة عالية لليسار ومرشحيه.

لكن الرئيس الفرنسي لم يتوقف في منتصف الطريق. وتداولت ألسنة الساركوزية في الإعلام مؤامرة حاكها أئمة 700 مسجد او قاعة صالة (في فرنسا 2100 قاعة صالة صلاة و5 مساجد وطالبوا خلال خطبة الجمعة الماضية من المصلين، بالتصويت لفرنسوا هولاند). الفرصة كانت ثمينة لفتح جبهة المساجد الاشتراكية، وتعزيز الأوهام بوجود لوبي اسلامي انتخابي يتآمر في العتمة ضد الرئيس ساركوزي. لكن عميد مسجد باريس دليل بو بكر، فوتها برسالة كذب فيها الخطبة الهولاندية، وذكر أنه لا وجود في فرنسا لأي إسلام انتخابي فرنسي، وانه لا مصلحة للمسلمين في ذلك، وانهم مواطنون قبل كل شيء .

لكن الدعوة إلى استخدام المساجد منابر ضد الرئيس ساركوزي، ليست بعيدة الاحتمال. صاحب الدعوة تائب من الساركوزية: عبد الرحمن دهماني مستشاره السابق لشؤون الهجرة. الرجل الذي استخدمه الرئيس في حملته الرئاسية السابقة لمخاطبة الضواحي، لم يحظ بما وعده به. عاد إلى الحملة الانتخابية، لكن بدعوة مضادة، غاضبا من تحالف «رب الاليزيه» مع ألد اعداء المسلمين الفرنسيين. تبنى دهماني الحملة في المساجد «لقد نجحنا في تأليب المسلمين في الدورة الأولى ضد ساركوزي، وسنكرر ذلك في الدورة الثانية، وندعو إلى الاقتراع لفرنسوا هولاند الذي سيجسد الدفاع عن قيم الجمهورية «.
اول مظاهرالاقتراع الإسلامي ضد ساركوزي، صعود نسبة الاقتراع في الضواحي. الأحزمة الشعبية المحيطة بالمدن الكبرى، التي كانت تنظر عن بعد لمراكز الاقتراع، لم تتخلف عن دخولها هذه المرة. خطاب الرئيس ساركوزي المعادي للإسلام والمهاجرين، اعادها إلى اول واجبات المواطنة وحضن اليسار بعد طول خصام. شكراً، نيكولا ساركوزي.

السابق
امر عمليات طالع؟
التالي
اللواء: سليمان يعارض التدخّل العسكري في سوريا … وعون يتّهمه بجهل تاريخ الرؤساء جنبلاط يرحّب بالخليلين على طريقته: يكفي أن تستهدفني النسبية لأرفضها!