الراي: الحكومة اللبنانية المتآكلة الثقة تواجه تضخُّم التباينات داخلها

لم تكن عودة المآزق المالية والملفات الاجتماعية الضاغطة الى واجهة المشهد الداخلي اللبناني مفاجئة لأيّ من متتبعي هذا المشهد خصوصاً ان نيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثقة في مجلس النواب حصل بطريقة عرضية مفاجئة من دون ان يساهم عملياً في ايّ حلحلة في الملفات التي ظلّت عالقة قبل الجلسة النيابية وبعدها. غير ان ما برز في عودة هذه المآزق لتتصدر الواجهة، هو الكباش السياسي الذي حاول فريق 8 آذار فرضه على رئيس الجمهورية ميشال سليمان والصلابة التي ابداها في مواجهته.

وأبرزت مصادر سياسية مطلعة اندفاع سليمان في الاونة الاخيرة في ثلاثة ملفات اساسية هي موضوع تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى وموضوع اعتماد النسبية في قانون الانتخاب وموضوع الاعتمادات المالية البالغ ستة مليارات دولار عن الانفاق الحكومي للعام 2011. ولاحظت ان سليمان الذي رفض بقوة في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء محاولة اطراف «8 آذار» حمله على اصدار مشروع قوننة الانفاق الحكومي بمرسوم واكد عدم تحمل مسؤولية توقيع مرسوم مشوب بمخالفات دستورية قد ردّ الكرة بقوة الى فريق «8 آذار» من جهة ومجلس النواب من جهة اخرى ما يشكل حشرة قوية للحكومة والبرلمان اللذين سيتعين عليهما حيالها مواجهة عواقب احباط مشروع تسوية كان تم التوصل اليها لملف الانفاق المالي للحكومات السابقة والحكومة الحالية اي لما يُعرف ايضاً بملف الـ 11 مليار دولار التي تم إنفاقها ايضاً من خارج الموازنة بين عاميْ 2006 و 2009 (خلال حكومتيْ الرئيس فؤاد السنيورة).
وتضيف المصادر انه رغم انتقاد سليمان في جلسة مجلس الوزراء المعارضة ضمناً في تعطيلها نصاب جلسة مجلس النواب التي كان يفترض ان تقرّ تسوية الملف المالي بعدما تأكدت ان فريق العماد ميشال عون وحلفاءه لن يمرر التسوية التي عقدت بينها وبين رئيس الحكومة ووزير المال على قاعدة التلازُم، فان موقفه الرافض لاصدار مشروع الانفاق العائد للحكومة الحالية بمرسوم شكل رافعة قوية للمعارضة.
وقد اغضب سليمان فريق «8 آذار» على نحو واضح ترجمته امس مواقف عدد من وزراء هذا الفريق من جهة والاتجاهات الاعلامية والصحافية المحسوبة عليه من جهة اخرى ولو ان الحملة لم توجَّه الى سليمان شخصياً بل تركزت على انتقاد الحال الحكومية غداة الثقة النيابية.

وتوقعت المصادر نفسها ان يتفاقم المأزق في ضوء اتجاهين لا يبدو فريق «8 آذار» مستعداً حتى الان لتلبية احدهما: الاول التزام ما طالب به سليمان من اعادة صياغة المشروع وتعديله وإرساله الى مجلس النواب مراعياً الملاحظات التي ابدتها عليه لجنة المال البرلمانية لان الامر سيبدو بمثابة تراجع كبير للحكومة و«8 آذار» تحديداً. والثاني اعادة الاعتبار الى التسوية التي تملي قوننة ملف الانفاق الحكومي منذ عام 2006 حتى السنة الحالية، وهو امر يرفضه فريق «8 آذار» بشدة لانه يشكل مكسباً كبيراً للمعارضة.
وتعتقد المصادر المطلعة نفسها ان دلالة ما يجري في هذا الصدد تكتسب اهمية من حيث كشفها الضعف البنيوي للحكومة والوضع الشديد التعقيد الذي باتت محكومة به في الفترة المقبلة ما يرسم علامات استفهام كبيرة حول القدرة على فرض بقائها لمدة طويلة. ذلك ان كل النقاط التي أمكن استجماعها لمصلحة بقائها في جلسة مجلس النواب والتصويت على الثقة بها، لم تصمد اكثر من ايام قليلة عادت بعدها الاستحقاقات المالية والاجتماعية لتضغط بقوة وتكشف تآكل القدرة على مواجهتها، علماً ان اضراب السائقين العموميين امس شكل «اول الغيث» في سلسة تحركات نقابية تتوَّج في 3 مايو باضراب الاتحاد العمالي العام. واذا كان الامر لا يزال محصوراً بهذه المآزق وحدها ولم يتعداها الى استحقاقات سياسية اكبر، فالسؤال المطروح هو كيف ستواجه الحكومة ملف قانون الانتخاب الذي سيوضع على طاولة مجلس الوزراء اعتبارا من الاسبوع المقبل؟ وهو سؤال سيشكل نقطة مركزية اساسية من الان فصاعداً خصوصا مع تنامي معطيات ووقائع تشير الى تضخم التباينات بين مكونات الحكومة وفريق الغالبية حول قانون الانتخاب، الامر الذي عكسه قلق «8 آذار» من موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الرافض للنسبية وتوجُّه هذا الفريق نحو فتح بداية حوار مع جنبلاط بعد عودته من زيارته الاخيرة للسعودية دون اوهام في امكان التوصل معه الى تسوية.

وأطلّ الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الموجود في السعودية عبر «تويتر» على ملف الانتخابات التي ستجري في صيف 2013 من زاوية «السقف» الذي كان رسمه قبل اسابيع وتتبناه قوى 14 آذار ويتراوح بين لا انتخابات او لا نقاش في النسبية في ظل وجود سلاح «حزب الله»، وهو العنوان الذي تواكبه المعارضة برفع شعار «لا انتخابات في ظل الحكومة الحالية» داعية الى حكومة حيادية تشرف على الاستحقاق النيابي.
واختار الحريري مناسبتين ليعاود التواصل مع متتبعيه على «تويتر» بعد ثلاثة اشهر ونيف من الانقطاع منذ اصابته بكسور في ساقه اليسرى استدعت خضوعه لعملية جراحية في باريس. والمناسبتان هما الذكرى السابعة لانسحاب الجيش السوري من لبنان، وادانة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور في المحكمة الخاصة بسيراليون بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وفي ذكرى الانسحاب السوري قال: «انها مناسبة نتذكر فيها الرئيس رفيق الحريري وكل الشهداء الذين افتدوا حرية لبنان بحياتهم». اما في المناسبة الثانية فقال: «في هذه اللحظات تُصدر المحكمة الجنائية الدولية حكمها على تايلور بتهم ارتكابه جرائم ضد الإنسانية وهي المرة الأولى التي تُصدر محكمة دولية حكماً بحق رئيس دولة سابق، وهذا يمثل أملاً كبيراً لكل من ينتظر حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. إنه يوم مليء بالأمل أيضاً للشعب السوري بأن بشار الأسد سيحاكَم يوماً ما للجرائم التي يرتكبها بحق شعبه».

وردا على سؤال حول قانون الانتخاب، اكد «ان لا نقاش في النسبية بينما ترهيب السلاح يمنع مرشحين في مناطق هيمنته»، مذكّراً «بما حل بمنافسي السلاح في بعبدا وبعلبك والجنوب في (انتخابات) العام 2009»، مضيفاً: «اللبنانيون سيردّون في صناديق الاقتراع على التراجع في معيشتهم واقتصادهم وأمنهم وكرامتهم الشخصية والوطنية».
وعن عدم لقائه النائب جنبلاط اثناء زيارة الاخير للمملكة العربية السعودية، قال: «لقد كان جنبلاط في جدة وأنا في الرياض. لكنني سألتقيه قريبا». وعن امكان ان يعود جنبلاط الى التحالف مع قوى «14 آذار»، قال: «الوقت سيجيب عن ذلك».

السابق
حزب الله يسكت السيد فضل الله
التالي
الانباء: الإعلام اللبناني ينتقد قرار الحكومة بخفض زنة الخبز ويعتبره ريجيماً وطنياً