قوة الجالية العربية الأميركية

على الرغم من كل التطورات الدراماتيكية، والمثبطة أحياناً، التي تحدث حاليّاً عبر العالم العربي، إلا أن التحديات التي تواجهها الجالية الأميركية العربية، الصغيرة والنشطة في آن واحد، كثيراً ما لا تلقى الاهتمام الكافي. لكن هذا الأسبوع خصصنا وقتاً للاعتراف بالتهديدات التي تواجه أمن الجالية ورخاءها والجهود التي تبذل من أجل معالجة هذه التحديات، حيث نظم «المعهد الأميركي العربي» في 18 نيسان/أبريل الحالي حفل عشاء «جوائز جبران خليل جبران لروح الإنسانية»، وذلك تقديراً لقوة ومرونة جاليتنا ومواردنا البشرية والحلفاء الأقوياء الشجعان الذين يقفون معنا دفاعاً عن حقوقنا.
وفي العام الماضي، تم تسليط الضوء على جدية هذه الأخطار التي تصدر في بعض الحالات عن «منظمات الكراهية» التي تقوّت وازدادت اندفاعاً في جهودها الرامية إلى تشويه سمعة الجالية. ذلك أن ما كان ذات يوم مجرد مواقع إلكترونية هامشية تنخرط في الدعاية المغرضة ضد العرب والمسلمين، أصبح اليوم تياراً سائداً، يجد صدى لكراهيته في محطات إعلامية مثل «فوكس نيوز» أو في مواقف بعض المرشحين الرئاسيين، حيث تقوم هذه المنظمات بتصوير كل المسلمين على أنهم خطر ماحق، ولا تميز بين العرب والمسلمين. فلا تتوانى عن مهاجمة جالية بأكملها، والترويج للخوف والتعصب.

ولئن كانت الجالية تعول على وكالات فرض القـانون للدفاع عنها من العنف والتهديدات بالعنف والأعمال التمييزية الصريحة التي تعد نتيجة الجو الذي خلقته «منظمات الكراهية»، فإن الأمور ليست على ما يرام على تلك الجبهة أيضاً. ذلك أن ما كشفت عنه قناة «سي. ان. ان» مؤخراً من أن بعض الكتب التدريبـية التي يستعــملها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكـالات أخــرى لفرض القانون مليئة بالتحريفات والمغالطات والأفكار الخاطئة عن الثقافتين العربية والإسلامية، وما تم الكشـف عـنه مؤخراً من أن شرطة نيويورك تمارس عملية تجسس داخـلية كبيرة تستهدف المصريين والسوريين والفلسطينيين والمسلمين بشكل عام… كلها أمور تسببت للجالية بمحن ومعاناة.
غير أن الأميركيين العرب بدلاً من أن يستسلموا لهذا الوضع قرروا الاعتماد على مواردهم وحلفائهم والتصدي لهذه الكراهية؛ وقد أتاح حفل عشاء «جوائز جبران» فرصة لتكريم الأشخاص الذين لعبوا دوراً مهمّاً في هذا الجهد، ما يؤكد أن الأميركيين العرب ليسوا بلا حول ولا قوة، وليسوا بمفردهم. ومن بين المنظمات التي تم تكريمها بجائزة جبران لروح الإنسانية هناك «مركز خط الفقر الجنوبي» (إس. بي. إل. سي)، وهو منظمة للحقوق المدنية ولدت في الجنوب الأميركي خلال الكفاح من أجل حقوق الأميركيين الأفارقة. واليوم، وسعت المنظمة نطاق نشاطها وأصبحت من أبرز الأصوات التي تنتقد وتناهض منظمات الكراهية التي تعمل على التخويف من الإسلام والمسلمين والتمييز بكل أشكاله، وبالتالي فهي تمد الجالية بدعم وقوة هي في أمسِّ الحاجة إليهما.

ومن بين المكرَّمين أيضاً هناك مبادرة متميزة أطلقها الأميركي العربي دين عبيد الله والأميركية الإيرانية نيجين فارساد. ويتعلق الأمر بجولة كوميدية تحمل عنوان «المسلمون قادمون»، وقد سافرت هذه المسرحية العام الماضي عبر الجنوب الأميركي ووصلت حتى إلى مناطق كانت قد عُبئت لمنع جهود بناء المساجد. وقد اعتمدت على الكوميديا من أجل التثقيف وكسر الصور النمطية.
هناك من يقولون إنه إذا كانت الحضارة العربية قد عرفت ماضيّاً عظيماً، فإنه لا يوجد لها حاضر ولا مستقبل. كما يتساءلون حول ما إن كان المهاجرون العرب إلى أميركا قد قاموا بأي مساهمة في الولايات المتحدة. وردّاً على هذا التجاهل لما قدمته للثقافة العربية، فقد اعترفت «جوائز جبران» بعمل مؤسسة الفكر العربي – التي تعد نموذجاً لمؤسسة عربية تشجع على التعلم، والاعتزاز الثقافي، وتأمل الذات. وفي كل عام، يكرم حفل عشاء جوائز جبران أميركيّاً عربيّاً قام بمساهمة متميزة في مجال الخدمة العامة. والفائز بجائزة نجيب حلبي للخدمة العامة هذه السنة كان السفير الأميركي السابق «تيد قطوف» تقديراً للعقود الثلاثة التي أمضاها في جهاز الدبلوماسية وقيادته على مدى عقد من الزمن لمؤسسة «أميديست»، وهي واحدة من أكبر المنظمات الأميركية غير الحكومية التي تخـدم شعـوب العالم العربي. والجائزة قدمت من قبل وزير النقل الأميركي راي لحود، الذي يعد من الفــائزين بالجـائزة خـلال الدورات السابقة. وعلى الرغم من أن كل هذا قد يبدو أمراً عاديّاً بالنسبة للبعض، إلا أن حقيقة أن أميركيّاً لبنانيّاً يقدم جائزة تحمل اسم أميركي سوري إلى أميركي فلسطيني تشي بالكثير في حد ذاتها بشأن نجاح الجالية الأميركية العربية في التعالي والسمو على الانقسامات وتأكيد هويتها وإرثها.

وقد اختتمت الليلة بتكريم خاص لأنتوني شديد، الصحافي المميز، الذي اختطف موته المبكر في شباط/فبراير الماضي منا كاتباً كرس حياته للعمل كهمزة وصل تربط مواطنيه الأميركيين بحقائق العالم العربي وشعوبه في كثير من الأحيان.
انتهت الأمسية بتذكير مؤداه أنه حتى في ما قد يبدو أحلك الأوقات، حيث التحديات كثيرة ومتعددة، فإن الأميركيين العرب يتحلون بالقوة والمرونة ويمثلون جالية فخورة لديها حلفاء يدعموننا. إننا جالية تتمتع بالـقوة وروح الابتكار، حتى نؤكد إنسانيتنا وندافع عن حقوقنا ضـد من يرغبون في تشويه سمعتنا أو إهانتنا أو التنكر لنـا أو تقسـيمنا. ورغم كل التحديات التي نواجهها، فإننا نظل في نهاية المطاف جالية فخورة بإرثها، وأكثر فخراً بإنجازاتها في أميركا.

السابق
هزُلَت!
التالي
لائحتان متنافستان في الانتخابات البلدية في طيرحرفا