بري: للتصدي لكارثة لغوية تهدد سيادة واستقلال اقطارنا وهويتنا الثقافية الديموقراطية والحرية والحوار وقبول الآخر يجب ان تكون صناعة وطنية

رعى رئيس مجلس النواب الاستاذ نبية بري صباح اليوم، حفل افتتاح كلية اللغات في جامعة القديس يوسف، في قاعة بيار ابو خاطر – حرم العلوم الانسانية، في حضور وزير الثقافة غابي ليون والنواب السادة: عبد اللطيف الزين، سيمون ابي رميا، مروان فارس، شانت جنجنيان، ممثل البطريرك الماروني النائب البطريركي المطران كميل زيادة، السفير الاسباني خوان كارلوس غافو، سفير رومانيا دانيال تاناس وعدد من ممثلي الهيئات التربوية والثقافية وحشد من اساتذة الجامعة وطلابها وطالباتها.
بداية النشيد الوطني ، ثم كلمة رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور رينيه شاموسي الذي تحدث عن تتطور الجامعة، وعن التحاور الذي يسكنها بمواكبة العولمة.

ثم تحدث عن مشكلة اللغات واهمية انشاء كلية تعنى باللغات، وقال: "اذا كان الحوار هو السبيل الى السلام، فإننا لا يمكن ان نشكك في محاسن الحوار بالنسبة للانسانية".

والقى مساعد الامين العام لشؤون الجمعية العامة والمؤتمرات في الامم المتحدة فرانس بومان كلمة تحدث فيها عن اللغات في الامم المتحدة، واثرها على ادائها وعملها، مشيرا الى انها بدأت بخمس لغات اساسية ثم اصبحت ست لغات اساسية بزيادة اللغة العربية، وقال: "ان ميثاق الامم المتحدة اعتمد في ست نسخ اصلية للغات الست، لكنه اعتبر ان اقتصار اعتماد ست لغات يتعارض مع مبادىء الامم المتحدة والمساواة، مشيرا الى اهمية اعتماد لغات اخرى والى سيطرة اللغة الانكليزية بنسبة 95 في المئة على نصوص الامم المتحدة في نيويورك وجنيف".

الرئيس بري
ثم القى الرئيس بري الكلمة التالية: "ثم ها نحن كنا نكبر بين صوتين، صرختنا عند الولادة وصرختنا عند النهاية وما بينهما من همهمة وحشرجة وضجيج وصمت الى حد الخرس. ثم اننا دخلنا في ابجدية الالوان ، فأخذنا نرسم على دفاتر الجدران ما نريد الى ان كانت اللغة غريمة الالوان".

اضاف: "ففي ذات زمان ومكان، عند حدود الشاطىء اللبناني بين صور وبيبلوس، كان بحار فلاح مقيم يفكر في سياق الزمن، فولدت الاحرف الاولى بين يديه من رحم الفكرة، وتفتحت فوق اخضرار الربيع زهرة زهرة. ثم كانت صرخة يوحنا في برية الله بشارة بالاتي، فتجمعت الحروف على نفسها كلمة في البدء: الله. ثم اردنا الحب وان نقول، اردنا ان نفهم زمزمة الماء وزقزقة الهواء وهو يشتكينا الى امسه العاري".

وتابع: "اردنا ان ترى الشمس ظلنا مثل فراشة تحلق بين سجادة القمح في الحواكير وارتعاش الصيف. اردنا ان نتم احلامنا وان نأخذ اشرعتنا، وهي تحمل لغتنا الاولى الى الموانىء القليلة حيث لم يكن العالم متوحشا ومحتشدا على هذا النحو وطبعا كان خاليا من اسلحة الدمار الشامل. وارتحلنا منذ ذلك الزمن ونحن نحمل "الف باءنا"، ودعنا الصمت الذي كان على وشك الانفجار باللغة الاولى، واقتحمنا المياه ليس معنا سوى بوصلة القلب والارض التي نقصدها لنغزوها بالحرف ونفاتحها بالحب".

وقال: "وها نحن في هذا الموسم، نفتتح هذه الكلية بعد ان تأكدنا ان اللغة هي الذهاب الى الحياة وهي رؤية المستقبل، وان اللغة جسر العبور الى الناس والى كل الجهات. وانها – اللغة – هي الحضور الاستثنائي في كل احتفال للفرح، وهي تعبير المواساة وهي الحركة التي تأخذ بيدنا الى حرية التعبير وحرية الانتماء".

اضاف: "بكل اعتزاز وفخر يسرني اليوم، ان اشارك هذه الجامعة العريقة جامعة القديس يوسف، في هذه المناسبة للاعلان عن انطلاق كلية اللغات المستحدثة. إننا ونحن نؤكد على اهمية افتتاح هذه الكلية وعلى تعليم اللغات المستحدثة، لا يفوتنا التركيز على الدور اللامع لهذه الجامعة في حركة النقل والترجمة الحديثة انطلاقا من ان الترجمة نقلا وتعريبا، هي جسر للتلاقي وازالة الحواجز بين الشعوب، وهو ما يؤسس لجعل لبنان كما نحب انموذجا للقرية الكونية في تفاهم وتعايش الحضارات والثقافات والاديان".

ونوه "بدور الجامعة واساتذة اللغات والترجمة، الذين يتميزون بموقف العالم المدقق الحريص على قدسية اللغة العربية وكرامة لغة القرآن وابتكار مصطلحات جديدة ووزنها بدقة الكيمائي وجمالية الصائغ الحريص على نفع لغتنا واغنائها، بالاعتماد على اساليب التعريب والاشتقاق والنحت والمجاز وادخال العربية لغة العصرنة الجديدة".

وقال: "إنه لا يفوتني هنا، ان انوه بالضوء، والمحبة التي تشع من امكنة الاباء اليسوعيين، من مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم التي كان لها دورها في صناعة النهضة الفكرية العربية ومواكبة الحداثة والتطور الدائم، وتجددها في تأصيل المعارف وفن استثمارها وتقنية ادارتها التي تزاوج وتقيم افضل العلاقات بين الانسان والتكنولوجيا".

اضاف: "لقد اينع البذار الطيب للكليات المتنوعة في الارض الطيبة بمباركة كريمة من الفاتيكان قبل مئة وسبعة وثلاثين عاما، عندما بارك هذة الجامعة، ولعل اكثر ما ميز هذه الجامعة منذ تأسيسها التنوع الثقافي واللغوي والعمل لتنمية الشخصية الثقافية للمجتمع، وتزويد طلابها بالعلوم والمهارات، واضافة مسألة هامة هي زيادة الحس النقدي وتعزيز مبادىء الحرية واحترام الانسان وتنمية الحوار، وهو الامر الذي عبر عنه انشاء معهد الدراسات الاسلامية والمسيحية، وانتشار الجامعة نحو الجنوب والبقاع وباقي مناطق لبنان".

وتابع: "واليوم في هذه اللحظة الضاغطة بالآلام التي يعلق فيها الشرق الاوسط على الصليب، وحيث لا يسلم لبنان من بعض الحراب، تبرز هذه الجامعة لتمثل فسحة امل ولتقدم هدية للوطن هي: كلية اللغات المستحدثة".

وقال: "في اللغات، لا بد ان ادخل البيوت من باب ابوابها واقصد اللغة العربية، حيث شهدت بيروت قبل ما يزيد عن شهرين المؤتمر الدولي السنوي للغة العربية، والذي انعقد تحت عنوان: اللغة العربية في خطر، ان الجميع شركاء في حمايتها. ابدأ من جامعة القديس يوسف لدعوتكم لمنع موت لغتنا الام، والتصدي لكارثة لغوية تهدد سيادة واستقلال اقطارنا وهويتنا الثقافية والوطنية والشخصية".

ودعا "الدولة بكل مؤسساتها وكذلك الجامعات ومعاهد التعليم العالي الى تبني وثيقة بيروت الصادرة عن ذلك المؤتمر".

وقال: "بالعودة الى مناسبتنا اليوم، فإن اطلاق هذه الكلية سيسهم دون شك في تعزيز فرص الابتكار العلمي وتقديم البحث والتأمل سمعيا وبصريا، وهي بالتأكيد ستسهم في تعزيز فرص العمل. (حديث شريف)، "من عرف لغة قوم آمن شرهم"، واضيف وشاركهم في عقولهم. إننا سنطل من هذه الكلية على الصين، على حضارة شعب هو الاعرق في آسيا، وهو يمثل ثلث العالم واعظم الاقتصاديات التي تملك سندات خزينة موقعة على اغلب الدول الصناعية. كما سنطل على لغات اوروبية تميزت بدينامية شعوبها الآرية والسلافية وعلى لغات احتلت موقعا مميزا وغزت العالم حتى انها سادت مكان اللغات المحلية".

اضاف: "وهنا لا يفوتني الانتباه الى ان اللبنانيين المنتشرين على مساحة العالم والموجودين الان في 19 برلمانا في العالم، والذين يشكلون امبراطورية بشرية لا تغيب عنها الشمس، هم اكثر الشعوب تمايزا بمعرفتهم باللغات، وان هؤلاء اللبنانيين يمثلون واقعا جامعة دولية لكافة لغات الارض. لقد تفوق اللبنانيون في كل بلدان الاغتراب والانتشار ولم يتفرقوا عن لبنانيتهم، ولكن المفارقة هي انهم في وطنهم عجزوا على ان يقرأوا لغة واحدة، ترى كيف يجدون لغة مشتركة ليفهموا على بعضهم فيتفاهمون؟

وتابع: "لذلك فإنني انطلاقا من هذه الكلية التي تمتد على مسافة اربعين عاما من الخبرة الاحترافية والجهد الاكاديمي في تأصيل تعليم اللغات وعيش حضارتها – من هذا المكان – الرائد في صنع المبادرات الاكاديمية، ادعو الى تأسيس ربيع لغوي نلتقي حوله حتى نعرف ماذا نتكلم وكيف ومتى نتكلم ، ومتى يكون السكوت من ذهب".

وقال: "سوف اخرج عن الاطار التربوي لأقول ان الديموقراطية والحرية والحوار وقبول الآخر والحكم الرشيد، يجب ان تكون اولا صناعة وطنية، وان هذه العناوين تحتاج الى تربية على مسافة المنطقة وعلى مساحة شعوبها، والا فإننا سنحصد نتائج عكسية لديموقراطية لا تمثل نهج حياة وليست متأصلة في تربيتنا، ولحرية غير محكومة الى حدود القانون والى دولة "مدنية" اذا لم تكن محكومة "بالعسكر"، فإنها ستكون محكومة "للحرامية".

اضاف: "اننا وكما تمكنا في المجلس النيابي من انشاء اول معهد عربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية، ادعو الى زيادة الاستثمار على وجود نحو خمسين جامعة ومعهدا للتعليم العالي في لبنان عبر صياغة مناهج للتربية على الديموقراطية والحوار ومكافحة الفساد، وجعل هذه الجامعات مفتوحة امام الطلاب العرب لاكسابهم الخبرة اللازمة لشعوبنا لادارة مصيرها".

وقال: "ان كل تلك العناوين باتت علوما عصرية، وهي لا تخص سلطة الرقابة الادارية او البرلمانية وحدها، بل انها تعني مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية. كما انني في هذه المناسبة التربوية، كما في كل مناسبة تربوية، فإنه لا يفوتني زيادة المطالبة بتشكيل مجلس اعلى للتربية ينسق بين ناتج التعليم العالي وحاجات اسواق العمل. مرة اخرى لا بد من تشكيل هذا المجلس، والا سوف نبقى نخرج شبابا عليهم دمغة صنع في لبنان، ولكن للبطاله لا للعمل".

اضاف: "قبل ان اختم لا بد من توجيه انتباهكم انطلاقا من هذا الصرح العلمي الى ان دول المنطقة تقع الواحدة تلو الاخرى في كمين تبديد قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويزداد داخلها الشرخ الاجتماعي والانقسام الطائفي والمذهبي والعرقي، وتزدهر برامج لثقافة التطرف وتحول كياناتنا الى زواريب محكومة الى السلاح. لقد وصلت مختلف دول المنطقة الى لحظة الانكسار ودخلت نفقا مضطربا وقلقا، نأمل معه ان تتمكن مصر من عبور استحقاقاتها الدستورية، بما يؤدي الى ترسيخ وحدتها وتنوعها واستقرارها، وان تتمكن سورية من بناء وصنع سلامها وادارة حوار منتج حول المستقبل، وان يتمكن الاشقاء الفلسطينيون من استعادة وحدتهم بما يمكنهم من افشال مخطط تهويد القدس واسقاط مشروع صهينة كيان العدو واستكمال تشريد عرب الارض المحتلة".

واشار الى "ان لبنان في واقع المنطقة المضطرب المتوتر والقلق والمحكوم الى استراتيجية الفوضى البناءة، يحتاج دائما اولا واخرا في اول الليل واخره الى تقوية عناصر وحدته الداخلية وتعزيز سلامه الاهلي والتفاهم على مخطط استراتيجي للتنمية المستدامة، تجعل من الادارة استمرارا، ليس كل مرة تأتي حكومة نختلف لمن نعطي هذا المركز او ذاك".

وقال: "انني ومن على منبر جامعة القديس يوسف اعلن بإسمي وبإسم مجلس النواب ترحيبنا الشديد بالزيارة المنتظرة في شهر ايلول القادم لقداسة البابا بنديكتوس السادس عشر والتي ستعيد الشرق انطلاقا من لبنان مساحة للشركة والشهادة ومنارة مشعة للمحبة الخالصة. واستعيد لحظة رجاء، للتذكر بخالص الامل الزيارة التي لا تنسى لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني الذي اطلق الارشاد الرسولي رجاء جديد للبنان".
وختم: "اخيرا اجدد شكري لرئيس الجامعة وادارتها على هذا الانتباه لأهمية اللغة في حياتنا، ليس لأنها وسيلة التواصل الاساسية بين الناس فحسب، بل لأنها تعكس نمطا حضاريا يختص بالناطقين بها ونسق تفكير خاص، ومن هنا فإن تعلم اللغة يعني التمكن من وسيلة تواصل، بل اساسا للدخول الى عقل تلك اللغة الى داخل تفكير شعب معين.اننا متأكدون ان هذه الكلية ستزيد من خارطة لبنان في العالم ولدى شعوب كثيرة لما فيه خير لبنان".

السابق
ماروني: واجبات 14 آذار إسقاط الحكومة في الشارع ومن المفروض أن نخوض الإنتخابات في ظل حكومة تكنوقراط
التالي
LBC: القوى الامنية أزالت قنبلة غير معدة للتفجير في منطقة الجعيتاوي