الراي: حكومة ميقاتي تقلّع شوكها بشقّ النفس والمعارضة تلوّح باستنهاض عام ضد التهديد بالحرب

يختلط المحلي بالإقليمي في لبنان، الذي بدا وكأنه يدور حول ازماته، في الوقت الذي يعمل اطراف الصراع فيه على ترتيب «بيوتاتهم الداخلية»، ايذاناً بملاقاة استحقاقات داخلية وخارجية بالغة الحساسية في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
فالى جانب انخراط الجميع في معارك تحت عناوين متعددة كالانفاق الحكومي من خارج الموازنة، وبواخر توليد الطاقة الكهربائية، وقانون الانتخاب، واقتراع المغتربين، تستمر معاينة الارتدادات الناجمة عن الازمة المتفجرة في سورية واحتمالاتها.
فالحكومة التي نجت من جلسات المحاكمة البرلمانية اخيراً بـ «ثقة هزيلة» تحاول «تقليع شوكها» عبر فض الاشتباك بين مكوناتها حول الملفات المؤجلة من جهة ومحاولة احتواء الموجة المتعاظمة من الاضرابات القطاعية والاحتجاجات النقابية.
اما المعارضة المتمثلة بحركة «14 آذار» فانها تمضي في ورشة سياسية – تنظيمية لترتيب اوضاعها من المتوقع ان تفضي الى تشكيل «مجلس وطني»، في الوقت الذي تبدي ميلاً الى جعل مطالبتها بحكومة حيادية للاشراف على الانتخابات شعاراً مركزياً.

وبين معسكري الاكثرية الحاكمة (8 آذار) والمعارضة (14 اذار) يتحرك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان اجرى في المملكة العربية السعودية محادثات مع وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل دون سواه من المسؤولين السعوديين.
ولفت في هذا السياق حرص جنبلاط على ابراز الطابع الخاص لا الرسمي للزيارة، وهي الاولى للرياض منذ ان اتاح زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الفرصة امام المحور السوري – الايراني للانقلاب على حكومة سعد الحريري في يناير 2011.
ولوحظ ان «كسر الصمت» بين جنبلاط والقيادة السعودية يحظى بـ «تدقيق» من طرفي الصراع في بيروت، وسط توجس «8 آذار» لحدود الحركة الجديدة لجنبلاط في اطار التوازنات الداخلية.
في موازاة ذلك، عقد مجلس الوزراء جلسة امس سبقت مغادرة رئيسه نجيب ميقاتي الى بروكسيل في زيارة رسمية، على وقع جملة من الاضرابات التي «تحاصر» الحكومة في قطاعات التعليم والنقل البري والمستشفيات من دون اغفال الاضراب العام ذات الدلالات الذي دعا اليه الاتحاد العمالي (المحسوب سياسياً على قوى 8 آذار) في الثالث من مايو المقبل، وهو ما جعل أوساطاً مراقبة لا تستبعد وجود «رائحة» سياسية تفوح من بعض حلقات المطالب والتحركات النقابية تتصل بتوجيه رسائل الى رئيس الحكومة على خلفية تحفظ دمشق و«نقزتها» من أدائه.

كما بدت «زحمة» المطالب العمالية في إطار «الضغط» على رئيس الجمهورية ميشال سليمان في ملف الـ6 مليارات دولار التي انفقتها حكومة ميقاتي من خارج الموازنة العام 2011، ولا سيما ان من يقفون وراء بعض هذه المطالب قوبلوا بان بتّها يرتبط بتشريع هذا الانفاق الذي تدفع قوى 8 آذار ولا سيما فريق العماد ميشال عون في اتجاه ان يتم من خلال توقيع سليمان مشروع القانون المتعلق به وإصداره بمرسوم ولكن من دون تشريع قضية الـ11 مليار دولار التي تم إنفاقها خلال أعوام 2006 – 2009 (حكومتا الرئيس فؤاد السنيورة)، وهو ما ترفضه المعارضة.
وكان هذا الملف امس محور جلسة مجلس الوزراء حيث استغرق بحثه نحو ثلاث ساعات وسط اصرار من فريق عون ومعه وزراء الرئيس نبيه بري و«حزب الله» على ان يمارس رئيس الجمهورية صلاحياته بإصدار مشروع قوننة الـ6 مليارات دولار بمرسوم مقابل تمسك سليمان بالرفض تفادياً لتوريطه بخطوة غير محسوبة قانونياً ومالياً (في ظل ملاحظات لجنة المال النيابية على مشروع قانون الستة مليارات) وتضعه بمواجهة مع 14 آذار، ومصراً على ان يمارس مجلس النواب دوره في هذا المجال.

كما حضر في الجلسة الوزارية موضوع الانتخابات النيابية من بوابة اقتراع المغتربين الذي يضغط في اتجاهه رئيس الجمهورية مع حذر حياله من فريق عون و«حزب الله». وقد جرى امس اقرار مبدئي للآلية التي وضعتها وزارة الخارجية لاقتراع اللبنانيين المنتشرين في الخارج، على ان يُستكمل البحث خلال الجلسة التي تُعقد الخميس المقبل والمخصصة لبحث قانون الانتخاب الامر الذي عكس مخاوف من وجود عملية «ابتزاز» تربط بين اقتراع المغتربين والاتفاق على قانون جديد يرعى الانتخابات.
وفي هذه الأثناء، استوقف الدوائر المراقبة توسع حركة رئيس «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي التقى اول من امس وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، بعد لقائه الملك عبدالله بن عبد العزيز، ووزير الدفاع الامير سلمان بن عبد العزيز.
وفيما كان الحريري يطلّ عبر سلسلة لقاءاته السعودية، كانت قوى 14 آذار تستكمل مناقشة الاستعدادات لعقد اجتماع «معراب – 2»، الاسبوع المقبل مبدئياً، بعدما كان اجتماع التضامن الموسع مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع انتهى الى ضرورة متابعة المناقشات التي جمعت ممثلي احزاب التحالف وشخصيات وناشطين في فلك 14 آذار.

كما واصلت 14 آذار ترتيب بيتها الداخلي بعد «سوء التنسيق» الذي برز خلال جلسة المناقشة العامة للحكومة في البرلمان وتفرُّد النائب الكتائبي سامي الجميل بطرح الثقة بالحكومة.
ولفتت في هذا الاطار الزيارة التي قام بها رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة لرئيس الكتائب امين الجميّل مؤكدا في موضوع قانون الانتخاب «ان النسبيية جديرة بالاهتمام وقد يكون هذا النظام ملائما لمرحلة اخرى غير المرحلة التي يمر فيها لبنان حاليا لان ظروف ممارسة حق الإنتخاب بحرية غير متاحة، ولا يعقل ان يكون هذا الحق مؤمنا في مكان ومفقودا في مكان آخر».
اما الامانة العامة لـ«14 آذار» فاستعادت المشهد الذي ارتسم خلال المناقشة العامة للحكومة في مجلس النواب، ولفتت في بيان لها «ان جلسات البرلمان الأسبوع الماضي كانت مسرحاً للتهديد بالحرب الاهلية حيث عبّر نواب 8 آذار والعونيون في مقدمتهم عن هذا التهديد بوضوح، في دعوتهم الصريحة المباشرة إلى إستنفار العصبيّات الطائفية، وفي إحيائهم مشروع حلف الأقليات ضد الأكثرية، وقد واكب نواب «حزب الله» هذا التهديد العونيّ بتصعيد بشأن أبدية السلاح الذي بات اللبنانيون على إختلاف إنتماءاتهم يعتبرونه مصدر خطر على العيش المشترك وعلى قيام الدولة وعلى أمن البلاد واستقرارها وسلمها».

السابق
السلاح.. وبعلبك!
التالي
تفهم الثنائي الشيعي لجنبلاط