مَن يعرقل إقتراع المغتربين؟

هل دخلت آليّة «إشراك المغتربين في الانتخابات» البازار السياسي، ليسقط هذا القانون، كما جرت العادة في لبنان، أسير الإهمال الرسمي؟ وما هي صحّة المعلومات التي تشير إلى أنّ الوقت المتبقّي لا يسمح بإتمام الآليّات اللازمة، وبالتالي تستبعد مشاركة المغتربين في انتخابات 2013؟

بعد سنوات من الإهمال واللامبالاة، وقبل حوالى عام من موعد الاستحقاق الانتخابي، تعود الى الواجهة مسألة إشراك المغتربين وغير المقيمين في لبنان في انتخابات 2013، والتي يبدأ البحث في آليتها اليوم في جلسة مجلس الوزراء، لتُشكّل مادّة سجاليّة حادّة، في ظلّ التباينات والخلافات العميقة بين الأطراف حول شكل القانون الانتخابي، البند الأساسي المطروح على طاولة المجلس. فعلى رغم حسم هذه المسألة، بناءً على القانون الذي أقرّ في المجلس النيابي عام 2008، والذي ينصّ على "وجوب أن تضع وزارة الخارجيّة والمغتربين خلال مهلة أقصاها سنة واحدة من تاريخ نشر ذلك القانون دراسة تفصيليّة لاقتراع اللبنانيين غير المقيمين في السفارات والقنصليّات"… إلّا أنّ علامات استفهام كثيرة تلوح في الأفق وتجعل تطبيق هذا القانون أمراً غير محسوم، خصوصاً وأنّ ملفّاً بهذه الأهمّية، يحتاج الى فترة تحضير وإعداد وافية، فلا يخضع لعملية "سلق"، وتجنّبًا لصبغِه طائفيّاً.

وفي حين يستبعد البعض الفكرة كلّياً، كون هذه العمليّة ينقصها الكثير من التنظيم والتحضير، خصوصاً وأنّ الكثير من المغتربين اللبنانيين تنقصهم ملفّات شخصيّة في السّفارات اللبنانيّة، هذا بالإضافة إلى التساؤل ما إذا كانت هذه السفارات قادرة على تنظيم عمليّة الإقتراع واستيعاب الكمّ الهائل من المقترعين في الخارج، يؤمن البعض الآخر بإمكانيّة حصولها، معتبراً أنّ الدولة اللبنانيّة، بالتنسيق مع وزارة الخارجيّة والمغتربين، قادرة على تنظيم هذه العمليّة على أكمل وجه، وأنّ هذه المسألة ليست صعبة لكنّها تتطلّب بعض الجهد من الوزارات المعنيّة لتحقيق ذلك.
وفي هذا الإطار، تكثّفت الجهود المطالبة في اقتراع المغتربين، وقد ساهمت زيارة كلٍّ من رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى أستراليا والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى الولايات المتحدة في تحريك الملفّ وترسيخ ثابتة المشاركة الاغترابية اللبنانية في الانتخابات المقبلة، بحيث حضّ كلٌّ منهما اللبنانيّين المنتشرين على الاستعداد لذلك، والمشاركة في الحياة السياسية اللبنانية".

وأعلن عضو مجلس أمناء مؤسّسة الانتشار الماروني أمل أبو زيد لـ"الجمهورية"، أنّ "التقديرات تشير الى أنّ عدد اللبنانيين والمتحدّرين من أصول لبنانية في بلدان الاغتراب يتراوح بين 7 و 8 ملايين نسمة، في وقت تبيّن أنّ عدد المغتربين الذين غادروا لبنان منذ حوالى 15 إلى 20 عاماً، والذين وردت أسماؤهم في لوائح الشطب، لا يتجاوز الـ 340 – 400 ألف نسمة"، مضيفاً: "يتوزّع المغتربون بين 60 في المئة من المسيحيّين و40 في المئة من المسلمين". وإذ رأى أبو زيد أنّ "تحرّك السفارات والقنصليّات في الخارج لا يزال خجولاً جدّاً"، مشيراً إلى أنّها "تفتقر الى الإمكانيات البشرية"، أفاد بأنّ "المغتربين يُبدون نوعاً من اللامبالاة تجاه هذا الموضوع، خصوصاً وأنّ المسافة التي تفصل بين مكان إقامتهم ومراكز الاقتراع كبيرة وشاسعة، الى جانب كون عدد كبير منهم تنقصه ملفّات شخصيّة في السفارات اللبنانية، ويتجنّبون الذهاب الى السفارة حيث يشعرون بسوء المعاملة، فضلاً عن سياسة التمييز المعتمدة، بحيث أنّ هناك من لم يحصلوا على جواب من السفارة رغم مرور 9 سنوات على تقديمهم الطلب، في حين حصل عليه آخرون بعد 3 أشهر فقط".

بدوره، أكّد النائب نعمة الله أبي نصر في اتّصال مع "الجمهورية"، وهو الذي تقدّم عام 2003 باقتراح قانون يتيح للمغتربين ممارسة حقوقهم، أنّ "وزارة الخارجيّة لم تضع بعد الآليّة اللازمة التي تتيح للمغترب اللبناني المشاركة في الانتخابات، وبرأيي لا يوجد قرار سياسي بعد لإنجاز ذلك، على رغم قانون الـ 2008 ".
واستبعد أبي نصر موضوع مشاركة المغتربين في العمليّة الانتخابيّة عام 2013 لافتاً إلى أنّ "هناك شكاوى في السفارات اللبنانية من عدم الإقبال على التسجيل"، موضحاً أنّه "في باريس مثلا، سجّللبناني واحد فقط اسمه، وبعد مراجعة السفارة هناك للاستفسار حول هذا الموضوع، أتى الجواب بأنّ السفارة عمّمت ولكنّ أحداً لا يرغب بالمشاركة بهذه الانتخابات!"

ورأى أبي نصر أنّ "بعض رؤساء الكتل النيابيّة في لبنان لا يرون في انتخاب المغتربين ما يصبّ في مصلحتهم الشخصيّة، محبّذين استقدام هؤلاء المغتربين إلى لبنان بما يضمن أنّهم سينتخبون لمصلحتهم"، وأضاف: "كما أنّه لم يصدر حتّى اليوم أيّ إعلان توجيهيّ مقروء أو مرئيّ أو مسموع يتوجّه للّبناني المغترب في الخارج لدعوته إلى التسجيل للمشاركة في الانتخابات، فضلاً عن غياب القرار السياسي اللبناني بإشراك هؤلاء المغتربين". وذكر أبي نصر أنّه "تمّ تحديد عدد المقترعين في كلّ بلد وعدد مراكز الاقتراع، وتمّ تحديد الكلفة التقديرية بنحو مليوني دولار، وقد أحيل إلى مجلس الوزراء لتجري مناقشته واتّخاذ القرار اللازم لإبلاغ اللبنانيّين وبدء التحضير للمشاركة في الانتخابات المقبلة".

من جهته، لم ينفِ وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور كلام أبي نصر لافتاً أنّ "هناك إحجاماً من المغتربين عن تسجيل أنفسهم"، كاشفاً أنّ "الرقم الذي وصلَنا حتى الآن من دول الانتشار لا يتجاوز الـ 4900 "شخص مسجّلين". إلّا أنّه أكّد، من جهة أخرى، أنّ "الوزراة جاهزة لاقتراع المغتربين، والسفارات اللبنانية قادرة على إجراء انتخابات، وما ننتظره فقط هو الآليّة"، وإذ أشار الى أنّنا "شكّلنا منذ صدور القانون، فريق عمل يضمّ أكثر من 20 موظفاً يعملون على مدار الساعة للقيام بعملية مسح جغرافي ولوجستي للانتشار اللبناني في الخارج"، أشار إلى أنّنا "وجّهنا تعاميم لـ 80 بعثة بين قنصلية وسفارة، لتزويدنا بمعلومات عن اللبنانيّين في كلّ بلد، وأنجزنا الملفّ كاملا". وأوضح منصور أنّه "تمّ الطلب من جميع المغتربين التسجيل في السفارات"، كاشفاً أنّه "بعد إقرار الآلية سيتمّ ازدياد عدد المسجّلين".

هذا وتلقّت "الجمهورية" رسائل عدّة من المغتربين اللبنانيين في الخارج يؤكّدون مشاركتهم الحتميّة في الانتخابات المقبلة، نذكر منها رسالة من المغتربة ندى الحويّك التي نفت المعلومات التي تتداولها الجهات المعنيّة والتي تشير فيها إلى أنّ لبنانيّاً واحداً قد سجّل اسمه في السفارة الفرنسية، وقالت: "نحن عائلة مؤلّفة من 4 أفراد، وقد اضطررنا للانتظار في الصفّ أمام السفارة المذكورة لمدّة نصف ساعة، لتقديم الأوراق المطلوبة للتسجيل للمشاركة في الانتخابات"، وأضافت: "يؤسفنا التقصير الواضح والإهمال الذي يصدر عن موظّفي هذه الإدارات". وسألت ندى: "هل نقوم بواجباتنا تجاه دولة غائبة؟؟"

وردّاً على السؤال المُعَنوَن حوله هذا المقال: من يعرقل "اقتراع المغتربين"؟ أكّدت أوساط مطّلعة لـنا أنّه "من الثابت أنّ الخشية من هذه المسألة طوال حقبة الوصاية السوريّة على لبنان كانت متأتّية من أنّ الاغتراب اللبناني بمعظمه ينتمي إلى التيار السيادي، وبالتالي اقتراعه سيؤدّي إلى قلب نتائج الانتخابات بما يتعارض مع الأهداف الرامية إلى إبقاء لبنان تحت السيطرة، فضلاً عن أنّ المغترب غير خاضع للترهيب والترغيب وهو حرّ الإرادة، الأمر الذي يبدّل بمسار الانتخابات، ويبدو أنّ ما كان ينطبق على تلك الحقبة ما زال ينسحب على الوضع الحالي، حيث لا يوجد رغبة بتنخيب الانتشار اللبناني على قاعدة أنّ توجّهات هذا الانتشار واضحة لجهة تمسّكها بسيادة لبنان واستقلاله".

فهل يتمكّن لبنانيّو الاغتراب من المشاركة في حقّ تقرير مصير بلادهم؟ الإجابة تبقى مرهونة بموعد الانتخابات عام 2013… على أمل أن لا يتمّ تسييس هذا الملفّ، بل العمل على مقاربته من منظار حقوقيّ وقانونيّ بعيداً عن السياسة والتوازنات الطائفيّة، وأن يتمّ وضع الآليّة المناسبة كي يتمكّنوا من المشاركة من أماكن تواجدهم، فيضحون بالتالي، عنصراً فاعلاً من عناصر الحراك السياسي اللبناني.  

السابق
إسرائيل شرّعت 3 بؤر استيطانية في الضفة والفلسطينيون رفضوا عرضاً لمعاودة المفاوضات
التالي
بري يعدّ عدّة المواجهة