جنبلاط: حاولوا الحصول على الأكثرية من دوننا!

عندما ركب وليد جنبلاط في «عصفورة» (طائرة) نعمة طعمة، ولم يكن قد انطلق بعد من بيروت الى جده، رنّ جرس هاتفه الخلوي وهو في المطار، فإذ بأحد الصحافيين يسأله عن احتمال توجهه الى السعودية، فأجابه «عندما أسافر.. ستكون رحلتي علنية».
لم تمض دقائق قليلة، حتى كانت «الوكالة الوطنية للإعلام» تمرر في شريطها الالكتروني أن جنبلاط توجه الى جدة «في زيارة خاصة».. والحقيقة أن الرجل يحاول طي صفحة الخلاف مع المملكة منذ انقلابه على سعد الحريري والأكثرية السابقة في مطلع العام 2011، ليصبح جزءا من مكونات الأكثرية الجديدة في حكومة نجيب ميقاتي.
احترقت أعصاب جنبلاط، على مدى سنة ونصف سنة، وهو يحاول إعادة ترميم العلاقة بينه وبين المملكة، لكن الحظر السعودي كان قاسيا جدا. قال جنبلاط الكثير عبر الاعلام حتى يصفح عنه الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وكانت ترد إليه، بالتواتر، انطباعات سعودية متناقضة.
زار القاهرة وتونس وليبيا والدوحة وأنقرة وموسكو وباريس. توغل كثيرا في موقفه السياسي ضد النظام السوري، ولم تأت الاشارة السعودية الايجابية إلا بعد ساعات قليلة من وصول سعد الحريري الى المملكة في نهاية الأسبوع الماضي، فكان لقاء الأمس مع وزير الخارجية سعود الفيصل بديلا للقاء لن يعقد على الأرجح مع الملك السعودي الذي كلف رئيس الدبلوماسية السعودية بتولي ملف جنبلاط.

في المجالس السياسية الضيقة لأهل المعارضة والأكثرية، ثمة سؤال واحد عن وليد جنبلاط.. معظم أوراق فريقي 8 و14 آذار باتت مكشوفة، وقليلة هي الأوراق المستورة، وأبرزها تلك التي ينوي جنبلاط أن يلعبها في الانتخابات المقبلة، ومهما قال الرجل في هذا الطرف أو ذاك، يجد له الجميع أسبابا موجبة لاستمرار التواصل السياسي معه، باستثناء الحدة التي تميز خطاب ميشال عون ضده وهي حدة تجدها غير مفهومة حتى في بعض الأوساط البرتقالية.
صار جنبلاط بيضة القبان في الملف الانتخابي، وما يقرره، سيصبح ساري المفعول، ولذلك يبقى «قانون الستين» هو الخيار الأكثر ترجيحا حتى الآن في «الحسابات الاشتراكية»، خاصة بعد الزيارة السعودية، «وكل الأسلحة السياسية مباحة إذا تحسس جنبلاط محاولة لاستهدافه سياسيا عبر قانون الانتخابات» يقول قيادي اشتراكي مقرب منه.

يشرح القيادي «الاشتراكي» خلفيات الموقف الجنبلاطي من الوضع السوري بالقول إن «جهودا كثيرة بذلها جنبلاط في الموضوع السوري، وتحدث لأهل النظام بصراحة مطلقة، إذ كان يخشى من وصول سوريا إلى ما وصلت إليه. قال لهم بوجوب الاسراع في الإصلاح وبأن تتم محاسبة فورية وآنية للمسؤولين الذين ارتكبوا بعض الاعمال في درعا وغيرها، ولكن العكس حصل، إذ استمر التركيز على الحل الأمني في حين أنه قبل مبادرة الجامعة العربية والتحركات الاقليمية والدولية، كان جنبلاط أول من استخدم تعبير الحل السياسي والحفاظ على الاستقرار. هذا لا يعني أن الجامعة العربية تبنت موقفه ولكن هذا مجرد سرد للوقائع. الهدف كان تدارك ما يحصل، إلا أنه بدل الاصلاح والمحاسبة كان إصرار على الحل الأمني».

ويضيف القيادي نفسه «وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف انتقد تأخر القيادة السورية في الاصلاح. بالتأكيد حسابات روسيا تتجاوز حسابات جنبلاط. أما الادعاء بارتياح النظام وعدم الاعتراف بالمعارضة والحديث المتكرر عن «المؤامرة» و«العصابات المسلحة»، فقد بدا نوعا من المكابرة ومحاولة للقفز فوق الوقائع، في الوقت الذي كنا نرى مدناً كبيرة تتحرك وتدمر. لذلك كان لا بد من اتخاذ قرار واضح وصريح ينسجم مع ما أسميت لاحقاً المبادرة العربية ـ الدولية بقيادة كوفي أنان. وقبل الموافقة على خطة أنان طالبوا بتوقيع خطي من المسلحين بوقف العمليات العسكرية وطوروا الموقف إلى المطالبة بتوقيع خطي من الدول العربية بعدم تسليح المعارضة، وهذا إقرار من السلطة السورية بوجود فريق ثان على الأرض. والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف وافقوا على خطة أنان ولم يحصلوا على التوقيعين»؟ ويتابع القيادي المقرب من جنبلاط «للأسف، سوريا تعيش الوضع الذي عاشه لبنان في زمن الحرب الأهلية، وسيناريو مكابرة المارونية السياسية يتكرر، ولذلك ما الفائدة من ان نقول بأن سوريا دمّرت وخرب اقتصادها ودولتها تتفكك ومجتمعها يزداد انقساما ومن أجل ماذا؟ من أجل بقاء هذا أو ذاك، هذه هي هواجس جنبلاط لا أكثر ولا أقل». ويشير القيادي نفسه الى «أن التواصل بين جنبلاط والقيادة السورية مقطوع على المستويات كافة».
في لبنان، «حرصنا وما نزال على عدم انعكاس تطورات سوريا سلبا على الوضع الداخلي، وهذا الأمر عبرنا عنه في اللقاءات الدورية المفتوحة مع الأخوة في «حزب الله»، ومن الأساس كان خوفنا من انعكاس الأحداث على لبنان. يسري ذلك على كل تعاملنا مع الأحداث قبل أيار 2008 وبعده. دائما كنا نشدد على عدم حصول فتنة داخلية، من اغتيال «الزيادين» في بيروت إلى مشكلة الشويفات والخلوات وغيرها الكثير… ومن أبسط الأمور أن نحاول قدر الإمكان ان لا يخرّب ما يحصل في سوريا ما هو قائم في لبنان من استقرار، وقلنا للجميع، أصدقاء وشركاء وأخصاما، بأن اختلافنا على تقييم الوضع السوري لا يعني اختلافنا على مقاربة الأمور الداخلية اللبنانية».

ويشير القيادي إلى أننا «كنا مختلفين على موضوعين، سوريا والمحكمة وهما استراتيجيان بالنسبة للأطراف في البلد، فالمحكمة وجد لها حل على الطريقة اللبنانية بهدف منع انزلاق البلد إلى فتنة أو إلى ضغوط دولية تنهك الاقتصاد اللبناني، وكان هذا التصرف عين العقل. أما في الموضوع السوري، فنحن نتعامل معه بالطريقة ذاتها، بحيث لا ينعكس الخلاف على الساحة اللبنانية لأن ثمة الكثير من نقاط التلاقي والمساحات المشتركة».

وحول المقاربة الاشتراكية لقانون الانتخابات النيابية، يقول القيادي نفسه «الجميع دخلوا في الانتخابات ليس فقط من خلال مقاربة القانون إنما في الحسابات والقضايا المطلبية والسياسية والاجتماعية. وكحزب اشتراكي نسجل الأمرين الآتيين:
الأول: النسبية هي مشروع كمال جنبلاط والحزب الاشتراكي ولاحقاً «الحركة الوطنية» ولكن النسبية أرفقت بأمرين آنذاك، ببرنامج سياسي متكامل للإصلاح، وبممارسة سياسية من قبل كمال جنبلاط ينحاز فيها إلى الفقراء والعمال والفلاحين (…) وإلى بناء عدالة اجتماعية وتكافؤ فرص ومحاربة الفساد، أي مناخ مختلف عن المناخ القائم حاليا في البلد. ويهمنا هنا أن نسجل ملاحظتين أساسيتين، الملاحظة الأولى أن البعض يطرح النسبية ويخوض معركة رفض نقل موظف فئة رابعة أو خامسة من مكان إلى آخر لأنه ينتمي إلى طائفته، ويقولون هذا إصلاح وخير نموذج التطويع في قوى الأمن. أما الملاحظة الثانية، فان البعض يطرح النسبية ويصر على احتكار التعيينات واعتماد الخطاب الطائفي، فكيف يجتمع هذا وذاك سوية.

الأمر الثاني: من خلال طرح النسبية، يبدو الهدف واضحا وهو تحجيم وليد جنبلاط في المعادلة السياسية اللبنانية، وقد قال العماد عون أنه لا يحق لجنبلاط ان يأخذ هذا الحجم النيابي، هنا نسأل هل الهدف من النسبية تطوير الصيغة السياسية أم تحجيم وليد جنبلاط؟ يسري ذلك على فريق المعارضة أيضا الذي يريد قانونا يحجم جنبلاط حتى لا تتكرر تجربة العام 2010 (استقالة الحريري ومجيء ميقاتي). للطرفين نقول حاولوا أن تحصلوا على الأكثرية من دون وليد جنبلاط».
ويختم القيادي ان أحدا من مكونات الحكومة «لم يناقش حتى الآن معنا مشروع قانون الانتخابات، وكل ما نسمعه اننا نريد إلغاءكم وهذا نرد عليه انه لدينا ما نفعله وخياراتنا واسعة. تفضلوا لنتحدث ونناقش وأقلعوا عن الرسائل المشفّرة أو الواضحة، لأن ما يهددنا به البعض بإمكاننا ان نهددهم به. نحن شركاء ولا نقبل بمنطق الالغاء». 

السابق
بري يعدّ عدّة المواجهة
التالي
150 أسيراً ينضمّون إلى معركة الأمعاء الخاوية