بري يعدّ عدّة المواجهة

يقلل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مجالسه الخاصة من الشعار الذي رفعه فريق 14 آذار في الآونة الاخيرة والذي اعلن فيه سعيه الى اسقاط الحكومة الحالية وإقامة حكومة تكنوقراط بديلاً منها.
ويقول ان هذه الدعوة ينطبق عليها قول احدهم للآخر: "يا بركب عليك او بعتب عليك"، فليس من المنطق ان يسلّم فريق لآخر الحكم والسلطة طوعاً، او لأن خصمه أو معارضه أو منافسه خطر في باله شعار معيّن او شاء ان "يغنّي موالاً معيناً".
وعليه يضيف بري: "لا الشعار مقبول ولا ان نتنازل نحن الأكثرية الحالية طوعاً عن الحكومة لمجرد انها لا تعجب الفريق الآخر معقول".

لذا فإن رئيس المجلس لا يحبّذ ان يتوقف طويلاً أمام ما يمكن أن يراه البعض "خطراً داهماً" جراء رفع فريق سياسي في البلد شعاراً سياسياً ما أو يطلق تشكيكاً بواقع سياسي، فالأمر كله لا يعدو كونه حراكاً في وقت يظن البعض انه مستقطع، وهو الوقت الذي ما زال يفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية، اعتقاداً من اصحابه ودعاته ان ذلك من شأنه ان يراكم وقائع ويفرض معطيات تلائم مصالح الراعين والراغبين.
لا تنكر أوساط المحيطين بالرئيس بري انه تناهى الى علمهم قبل فترة قصيرة انباء عن عرض قدمه احد رموز فريق 14 آذار الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جوهره تقديم استقالته وحكومته، ثم يعيد فريق 14 آذار مع نواب "جبهة النضال الوطني" تسميته لرئاسة حكومة تكنوقراط محايدة تتولى الإشراف على الانتخابات المقبلة، على وعد ان يعيد الفريق اياه تكليفه (اي ميقاتي) لرئاسة أول حكومة تتألف بعد الانتخابات. وكان من البديهي حيال ذلك ان يأخذ بري وفريقه السياسي الأمر مأخذ الجد، ويتقصى الوضع ومآله واحتمالاته، وأن يستعد لأقصى الاحتمالات، علماً انه في قرارة نفسه، بقي بري مقيماً على قناعة ضمنية فحواها ان "اخلاقية" ميقاتي لا تسمح له بالتجاوب مع هذا الطرح ولا هو مستعد لأن "يُلدغ من الجحر مرتين"، كما ان "حسابات" جنبلاط ورؤاه للوضع لا تبيح له الجنوح نحو التفريط بالتفاهمات التي سبق له أن عقدها مع رفاقه في الأكثرية.

وفي كل الأحوال، ايقن بري بعد هذا التطوّر المستجد ان فريق 14 آذار شاء ان يفتح باكراً معركة الانتخابات النيابية، واستطراداً جعل لنفسه قضية تشغله وتستغرق جمهوره وتحيي في وجدانه الأمل، بامكان العودة الى الحكم بعدما تداعت رهانات متعددة سواء على تفجّر الحكومة الميقاتية من داخلها، أو على تداعيات الوضع في سوريا. ولم يكن خافياً على بري، ان الجسر الذي شاء ان يعبر عليه هذا الفريق لبلوغ مقاصده وأهدافه الظاهر منها والخفي يقوم على الأسس الآتية:
– هجوم متجدد على الحكومة الحالية ومحاصرتها بالشكوك والاتهامات تمهيداً لتبرير رفعه شعار حكومة التكنوقراط، والقول استطرادا انه لا يمكن ان يقبل باجراء انتخابات في ظل الحكومة الحالية.
– رفع شعار ان لا انتخابات على اساس مبدأ النسبية ما دام هناك سلاح، وهو ضمناً عودة من باب آخر الى مسألة السلاح وتأثير هذا السلاح، اي تكرار ما لجأ اليه عشية انتخابات عام 2009، علماً ان الظروف اختلفت والمعطيات صارت مغايرة.
– التصدي مسبقاً وبكل الأسلحة لأي تغيير لقانون الانتخاب النافذ حالياً وهو القانون المعروف بقانون الستين، ادراكاً منه أن اعتماد أي قانون آخر، خصوصاً إذا كان مبنياً على مبدأ النسبية، سيطوي صفحة أكثريته الحالية في مجلس النواب الحالي أو تلك المفترضة في مجلس النواب المقبل.
عموماً أيقن بري، بحسب الحلقة الضيقة المحيطة به، وقد ألقيت عليه مهمة أن يكون "مايسترو" فريقه السياسي منذ البداية، وأن عليه أن يشرع في رد مبكر على طروحات الفريق الآخر وهجماته لكي لا يصير فريقه في موقع الدفاع عن النفس، والفاقد لزمام المبادرة والاقدام. وهكذا شرع بري في رد متدحرج منهجي من خلال الآتي:
1 – حض الحكومة ورئيسها على القيام بمهماتها، واستدراك ما فاتها، فكان تحذيره المبكر من أن هذه الحكومة بدأت تنفق من رصيد الأكثرية، الى سلسلة الانتقادات الضمنية والمعلنة التي وجهها اليها في مناسبات عدة. ولم يعد جديداً القول ان بري يتصرف دوماً من موقع "حدب الأب" على هذه الحكومة كونه يعتبر انها ولدت على يديه لحظة تعثرت ولادتها، ثم أدى دور "الميسر" لمسيرتها كلما تعثرت هذه المسيرة.
2 – ثم ساهم بري في "تجديد شباب" هذه الحكومة وإعادة نفخ الروح فيها، من خلال اعادة منحها الثقة، مجدداً في الجلسة الاخيرة من جلسات مناقشتها في مجلس النواب، فكانت كمن ولدته أمه، بيضاء من غير سوء وبريئة من ذنوبها الكثيرة، فأعطاها ذلك دفعة كبيرة للاستمرار.
3 – سارع بري الى "تسفيه" شعار السلاح، والتحذير من مخاطره عندما رد على تصريحات الرئيس سعد الحريري الشهيرة بقوله ان التجارب الاخيرة اثبتت ان السلاح لم يعد حكراً على طرف واحد في البلاد، بل صار موجوداً في العديد من المناطق. ولذا ابدى بري استعداداً لعدم الوقوف موقف الصامت او المحايد من رغبة الفريق الآخر في تجديد السجال حول هذ الموضوع ومحاولة توظيفه كإحدى مواد السجال.
4 – أخيراً وليس آخراً، اعلن بري مبكراً أنه يقف تماماً في صف الرافضين لأي تفكير بالعودة الى جراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين، وأنه ماضٍ مع الصف المتعاظم الداعي الى اعتماد مبدأ النسبية أساساً لأي قانون انتخاب مقبل سيكون جاهزاً لانتخابات 2013.

ولأن بري كان جاداً في طرح هذا الموضوع، وليس من باب المزايدة، اعتمد في طرحه على تطوير متقدم لمبدأ النسبية من خلال دعوته لجعل لبنان دائرة واحدة، ولأنه منفتح على هواجس الآخرين ومخاوفهم ولا سيما هواجس صديقه التاريخي النائب جنبلاط ومخاوفه، قرن هذا الطرح بإعلان استعداده لإنشاء مجلس الشيوخ في أعقاب الانتخابات المقبلة مباشرة وذلك وفق المعايير التي نص عليها اتفاق الطائف، على اساس ان تكون تلك الخطوة، مقدمة لازمة لإلغاء الطائفية السياسية علة العلل. وعليه بدا واضحاً ان الرئيس بري شاء ان يعلن لمن يهمه الأمر أنه:

– بات مكلفاً مولجا من جانب فريقه السياسي انه "مايسترو" اللعبة السياسية من الآن فصاعداً، وهو الذي استدعى على عجل رموز فريقه السياسي ليلة التصويت على الثقة بالحكومة في المجلس ولكي لا يؤخذ على حين غرة.
– انه لن يقف مكتوفاً حيال أي تصعيد سياسي يمارسه الفريق الآخر، بل سيبادر هو الى الرد على طريقته الخاصة وسيكون لكل مقام مقال، كما حصل بالنسبة الى موضوع السلاح.
وفي كل الأحوال، ينقل الذين يمارسون مع بري رياضة المشي السريع المسائية في حديقة مقر عين التينة، ان حراك جنبلاط لا يقلقه على الإطلاق وهو بالنسبة اليه أمر يمكن البناء عليه لاحقاً. 

السابق
مَن يعرقل إقتراع المغتربين؟
التالي
جنبلاط: حاولوا الحصول على الأكثرية من دوننا!