المشهد المضطرب لشرق المتوسط

في حين كان مجلس الأمن يتخذ قرارين متواليين بشأن سورية خلال عشرة أيام، كان الدوليون يجتمعون مع الإيرانيين باسطنبول من أجل النووي.، فيتبادلون العروض، ويقررون بعثاً للتفاؤل العودة للاجتماع ببغداد في الثالث والعشرين من أيار القادم. بيد أن هذين التوافقين الواعدين، كانا كذلك بحسب الظاهر وحسب، إذ بعد التصويت الاجماعي على قرار المراقبين الدوليين إلى سورية، اشتبك أعضاء مجلس الأمن الغربيون مع الروس والصينيين، وطال الاشتباك وتنوعت أطرافه، مما أشعر بعدم وجود اتفاق حتى على القرار الثاني الذي جرى اتخاذه في أول الجلسة. فالروس يعتقدون بإمكان الحل السياسي بعد وقف العنف، والغربيون يرون أن العنف من جانب النظام لن يتوقف، وعلى الأسد أن يذهب الى غير رجعة! وهكذا تشعر سائر الأطراف – بما فيها اسرائيل – أن سورية صارت ساحة تجتذب سائر الأطراف – والراغبة وغير الراغبة – للمشاركة فيها!

وباستثناء الطرف العربي، لا يرغب الآخرون أن ينحسم الصراع الآن، لأن أحداً ليس واثقاً من النصيب الذي سيهبط في حضنه إذا انحسم الأمر بهذا الاتجاه أو ذاك. أمّا اجتماع اسطنبول الواعد بالمتابعة، فإنه محوط أيضاً بشكوك كبيرة. فإيران فهمت من العروض غير ما فهمه الأوروبيون والأميركيون وحتى الروس. ولا يعرف أحد حتى الآن هل اتخذت إيران قراراً استراتيجياً بالتحول عن النووي أو تأجيل إنتاجه، أم أنها مُهادنة يحتاجها الطرفان لتعود القطيعة في اجتماع بغداد أو بعده. وما تزال اسرائيل تجزم أن اجتماع اسطنبول منح إيران «هدية» لا تستحقها، في حين كشف الاجتماع وما سبقه وما لحقه عن اندلاع صراع بين إيران وتركيا، بشأن العراق وبشأن سورية وبشأن الأكراد وبشأن الدرع الصاروخي الذي أقامه الأطلسي بتركيا واعتبرته إيران ضدها! وعلى هامش ذلك كله يرى توني بلير – رئيس الوزراء البريطاني الأسبق – أن الصراع على فلسطين ما يزال في قلب المشهد، وأنه أخطر على المنطقة من الاضطراب السوري والهياج الإيراني! في حين يرى وزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان أن الاضطراب المصري هو أخطر على اسرائيل – في المدى القريب – من النووي الإيراني ذاته!

أين بدأ ذلك كله؟ بدأ الاضطراب ولا شك في مرحلته الجديدة بثورات الربيع العربي، والتي استشرفت زمناً جديداً، وأثارت نزاعات الماضي القريب والبعيد، وأشعرت كل الأطراف أن الأرض تتحرك تحت أقدامهم. فإسرائيل التي تتجاذب مع الفلسطينيين وعينها على إيران وحزب الله، ثارت لديها مخاوف كبرى من الثورتين المصرية والسورية. وإيران التي اعتقدت أنها حققت مكاسب صافية في شتى الحقول تعاني من حصار خانق، واضطربت مناطق نفوذها في العراق وسورية، وخرجت الرايات التي رفعتها فوق فلسطين من يدها بالاضطراب السوري، ومغادرة حماس لشباكها. وتركيا الداخلة على المشهد آملة ومؤمّلة ما أفادت شيئاً حتى الآن رغم احتضانها للمعارضة السورية، وللإخوان المسلمين السوريين والعرب. والعرب الخليجيون وغير الخليجيين يضيقون ذرعاً بهذا الصراع الاقليمي والدولي الكبير على أرضهم وفي مناطقهم، ويعملون على أن يتم التغيير بسرعة لكي يذهب المصطادون في الماء العكر.

قال شكسبير في مسرحية «ماكبث» إن المصائب لا تأتي فرادى! لقد حضرت المشكلات جميعاً كأنما لتعطيل أو إثقال حركة الشارع العربي. فقد اعتاد الجميع على الحكام والتسويات معهم، وهو أمر ما عاد مُتاحاً للأميركيين، فكيف بالروس والصينيين؟! هل يحتاج الأمر إلى حرب أو أكثر، من أجل الإرغام على السكون والعودة للوضع السابق؟ الحرب لن تُنهي أي مشكلة، بل ستزيدها استعاراً. ولذلك لجأ الجميع لمجلس الأمن، رجاء التسوية فيه، ما دامت غير ممكنة على الأرض التي تغصّ بالجمهور. لكن هذا الجمهور يُرغم الجميع على السير باتجاهه، إن لم يكن بالمليونيات، فبالدم المراق. وعِش رجباً ترَ عجباً.  

السابق
خوف من استمارة
التالي
الحكم على عميلين لإسرائيل