الفن في مواجهة الأخ الاكبر

يكاد يتوفر الانترنت في لبنان للجميع، وفي مساحاته الافتراضية تنتشر الأعمال الفنيّة بحريّة. ورغم ذلك ما زالت الرقابة في لبنان تتدخّل لمنع وحذف الكثير من أعمال الفنانين. رقابة على الفن «تجاوزها الزمن»، تقف كـ«الأخ الاكبر» على مفترق الكلمات: تمنع أغنيّة، تحذف مشهدا، وتتسبب في اضطراب العلاقات بين أجهزتها وبين الحركة الثقافيّة.

فؤاد يمين، مخرج وممثل مسرحي، عرض مسرحية له «6 و7 مكرر»، تناول فيها فلسفة الموت والحياة والله. وبرغم أن المسرحيّة مستوحاة من عمل «العودة الأبديّة» لنيتشه، إلا أن الرقابة قامت بحذف المقطع الذي يتكلم فيه عن الله. ويؤكد فؤاد أنه لم يكن في النص المحذوف أي إساءة للدين. ويشرح أنّ هذا النص موجود منذ مئتي عام. الحذف هذا جعل فؤاد يرى في طريقة قراءة الرقابة للعمل المسرحي أمرا مضحكا. برأيه، «إنهم يرون النص ككلمات، من دون تسلسل، ولا يربطون الأفكار بعضها ببعض. بيمسك الرقيب مسطرة وبصير ينزل سطر سطر»، يشرح.

في كتاب «أعمال الرقابة قانوناً»، الذي أنجزه المحامون، نائلة جعجع، ونزار ورنى صاغيّة، يرد أن الأمن العام المسؤول عن مراقبة الأعمال الفنيّة والأدبيّة يمارس رقابة من دون نص، وفقا لتعليمات داخلية، وتبعا لإملاءات الجهات السياسيّة والحزبيّة والدينيّة المختلفة، ومن دون أي سند قانوني.
يستغرب الرسام والكاتب سمعان خوّام كيف يمُنع كاتب من ممارسة عمله، مطالبا برقابة على الوزارة والسياسة، وعلى الرقابة نفسها، وليس على الفن. ويسخر من المقولة التي تصف لبنان ببلد الحريات.
سمعان يتنقل اليوم من محكمة إلى أخرى، ليس لأنه ارتكب جريمة ما، بل لأن القضاء اللبناني ارتأى محاسبته على رسم لوحة جداريّة.. أو بتهمة «مخالفة الأنظمة وزعزعة الأمن العام». كان يمكن لسمعان أن يدفع الغرامة ويتجنب احتمال الحكم عليه بالسجن، ولكنه رفض هذا الخيار، وفضّل الاستئناف حتى لو حوكم بالسجن لمدّة ثلاثة أشهر. برأيه، فإن جانبا من وجوده كفنان هو اتخاذ موقف رافض لما يجري والسعي للتغيير. ومن هذا المنطلق، يرى سمعان أن ما يمارس عليه هو عنف معنوي. والآن هو وسط معركة مفتوحة، لن تنجح في جعله يتوقف عن الرسم.

محمد حديب أيضا له نصيبه في التنقل، ولكن من دار نشر إلى أخرى، متأبطا كتاب شعره باللغة المحكيّة. سبع دور نشر زارها، والجواب هو نفسه: «ما بيقطع ع الرقابة». ويؤكد محمد أن شعره لا يحتوي على شتائم، ليس خوفا من الرقابة، بل لأنه يملك رقابة ذاتيّة تدفعه إلى انتقاء كلماته واحترام غيره. أما سبب عدم قبول الكتاب فهو تهمة التطاول على الدين. ففي إحدى قصائده التي تحمل عنوان «يا أمّة الفلافل أدركينا»، يشبّه مسيرة الشباب بمسيرة الحجّاج. يقول فيها: «صرنا حجاج ماشيين والوضع رجوع/ والحلم نوصل ع أمة اعترفت فينا/ عربشنا طلوع/ ع قمة جبل الكرنتينا/ وبحرقة صرخنا/ يا أمة الفلافل أدركينا». قصيدة أخرى يقول فيها: «مش طالع على منبر شبّر وخبّر حكاية فلتانة.. يا متكبر/ متل ما بالجامع بتكبر، بالشارع بدي عبّر/ وبياني/ انتبه / بالعلن بجاهر بإيماني/ بس ربي قلي «اقرأ»/ ولو نصف مثقف بتكون/ بتفهم ليش محسوبك علماني». عدم نشر الكتاب ولّد ردّ فعل أعنف ضد الرقابة، ودفع بالتالي الأخيرة لإسكاته على المسرح أثناء إلقاء قصيدة له: «وشاب الرقابة واقف ع بابي/ لقّم سلاح، ناطر الشحطة بالقلم/ زحطة عن أدب/ فتنا بالشغب/ رحنا بالغضب/ صرنا بالحبس/ فلقة عالإجر/ حدت النفس/ طلقة بالصدر/ فلت الملق».
إدوار عباس، مغني راب تعرض أيضا للتوقيف أثناء غنائه على المسرح. «ما تغنوا سياسي أو منوقف»، هذا ما قاله أحد منظمي المهرجان. برغم أن هذه الرقابة ليست من قبل الدولة إلا أنها تتشعّب من طريقة أدائها.
لا تتضح لإدوار آليّة الرقابة على الفن، فلا قوانين واضحة لكيفيّة عملها. بنظره أن الرقابة ككل شيء في لبنان، مسيّسة. «حسب الاسم والمركز، إذا حدا مش معروف بتطبّق الرقابة»، يقول. ويرى أن من الأسهل على الرقابة أن تمرر شتيمة على أن تمرر نقدا لحزب أو للدولة أو لوزير فيها. فبرأيه، هناك قدسيّة للمراكز والأسماء في لبنان.
فؤاد ضد الرقابة بالمطلق. يمكن أن يتفهّم وجود رقابة على المسلسلات التلفزيونيّة حماية للأطفال مثلا، لكن لا يمكنه أبدا أن يتقبلها على المسرح. ـ«المسرحي لا يرغم الجمهور على المشاهدة، بل هو يأتي بنفسه وفقا لقرارات شخصية. وهو كممثل لا يقوم بأذيّة احد، ولا يتدخل في حريّة المشاهد، ما دام الأخير هو من قرر المشاهدة».

شبان لا يملكون إلاّ فنهم طريقا للحياة. وبرغم ذلك هناك من يعترض سبيلهم ويضيّق عليهم الخناق. ليسوا سياسيين ولكن فنّهم يحكي نيابة عن كثيرين. ما يريدونه هو وجود قانون واضح وصريح، لما هو مسموح وممنوع. وفي حال وجد قانون يمنع عنهم طريق الحـياة «سنعمل لإزالــته»، كما يؤكدّ سمعان. أما محمد فلم يعد يجيد «النق»، ولذا بدأ بإيجاد حلول بديلة. «لازم ننزل ع الشارع ونكتب اللي بدنا نقولوا. في قوّة للمنشور ولليوتيوب والـ«سي.دي» وهودي ما بيقطعوا ع الرقابة».
«في لبنان لدينا مشاكل كبيرة، وليس لدينا حرية»، هذا ما يراه سمعان، مضيفا أن مساحة الحرية التي كنّا نعتبرها مختلفة عن البلدان الأخرى كشفت الثورات العربيّة مدى زيفها. «ما نحتاجه هو إعادة صياغة لكل الأشياء التي نعرفها ونفهمها. بالنهاية أنا حرّ، فيهن يحبوا أعمالي وفيهن لأ. بس ما فيهن يمنعوني، مش من حقن.. ما في حدا يمنع كاتب يكتب».

التهمة: سروال داخلي

في التاسعة من صباح اليوم يقف الممثّلان الشابّان إدموند حداد وراوية الشاب تحت قوس محكمة الجنايات في بيروت، بتهمة "الإخلال بالآداب العامّة والحضّ على الفجور". التهمة تتعلق بمشهد من مسرحية قدمت في إحدى حانات الجميزة، قبل نحو عامين، ظهر فيه السروال الداخلي لحداد، ما استدعى تدّخل "شرطة الآداب" التي استنفرت قواتها للتحقيق مع المتهمين.
أصدقاء المتهمين أعلنوا عن وقفة تضامنيّة من خلال حضور الجلسة في قصر العدل اليوم، فيما عمد بعض الناشطين "الفايسبوكيين" إلى تأسيس صفحة خاصة لدعمهما. 

السابق
الصوت المجهول
التالي
متابعة التحقيقات في انفجار صور الاخير