الجدار كمطلب لبناني

قد يكون منظر الجدار الإسمنتي بشعاً، ومسيئاً للبيئة، ومزعجاً لحركة العصافير والطيور، لكنه على الأرجح سيكون مفيداً لصحة الانسان اللبناني وتوازنه العقلي والسياسي.
منذ ان أعلن خبر بناء الجدار في كانون الثاني الماضي، لاذ الجميع في لبنان بالصمت، لم يعتبره أحد خطراً على الجبهة اللبنانية، أو على الاقل تهديداً لموقع رمزي من التاريخ أو لمعلم سياحي جذاب، كما لم ير فيه أحد نصراً أو هزيمة أو تحولاً في مجرى الصراع.

ترك الامر لوساطة الامم المتحدة وحسن تقديرها وتدبيرها. وأحيل الى حق الآخر الذي يبني الجدار في ان يفعل ما يشاء في جغرافيته، أو الى خوفه من المجهول الذي يمكن ان يخرق تلك العلامة ويتسبب بأزمة، أو من المعلوم الذي يقترب بين الحين والآخر من ذلك الشريط الشائك لكي يطل على أرضه ويثير حنينه.. حتى ولو كلفه ذلك تقديم 11 ضحية، كما جرى في مسيرة يوم الارض العام الماضي.
تورط البعض في تسميته بجدار الفصل العنصري، أسوة بالتسمية الخاطئة والمثيرة للجدل في الوسط الفلسطيني للجدار الذي يشق الاراضي وحتى البيوت في الضفة الغربية المحتلة والذي لا يمكن ان يوصف بالعنصرية لان الكلمة تضمر الرغبة في التعايش مع المحتل، أكثر مما تسلط الضوء على الاحتلال النهائي للمزيد من الارض الذي يكرّسه الجدار الإسمنتي المشؤوم.

امتداده مسافة كيلومترين فقط هو السؤال، وكذلك ارتفاعه عشرة أمتار. لماذا بين بلدة كفركلا ومستعمرة المطلة وحدهما؟ إنهاء حالة بوابة فاطمة ليس السبب الرئيسي، ولا طبعا سد الثغرات التي يمكن ان تتسلل منها المقاومة يوماً ما. الكل يذكر أن تلك المنطقة كانت وربما لا تزال مفراً للعملاء والمهربين. لم تكن يوماً سوى دليل على تفاعل غير مشرّف على جانبي الحدود.
ليس للبنان أن يقبل أو يرفض بناء الجدار، تم أخذ العلم فقط من الامم المتحدة. ولن يكون مضطراً الى تغيير أو تعديل أي من خططه الدفاعية، الرسمية والشعبية، لكنه سيكون مدعواً الى التعبير عن مشاعره الحقيقية إزاء هذا الحاجز الإسمنتي الذي يحجب الرؤية، لكنه لا ينهي خطراً، نادراً ما كان يسير على الارض بل كان ينتهك السماء.

الجدار ليس حماية أو وقاية لأحد على جانبيه. قد يكون العكس تماما. ما يحاك خلف الجدران المرتفعة هو في الغالب أخطر مما يخطط في العلن وفي مدى النظر. فكرة العدو هي تفادي الاحتكاك أو الاشتباك أو حتى تبادل النظرات عبر هذه النقطة من الحدود. ليس في الامر ما يحرج لبنان أو ما يتحداه. لعله مطلب لبناني مفترض، أي أن يغيب العدو عن النظر ما دام لن يغيب عن أرض الواقع، ولا مانع أن يمتد الجدار على طول الحدود، أو أن تكون مبادرة توسيعه لبنانية، توفر قدراً إضافياً من الإنكار المتبادل لما يقع خلف أمتاره العشرة.

لن يتيح الجدار، حتى ولو امتد على طول الحدود وارتفع عشرات الأمتار إنهاء الصراع، لكنه قد يعرقل بعض أشكاله الفولكلورية.. وربما ينبئ بيوم تقفل فيه تلك الجبهة المفتوحة التي آن لها أن تنضم الى بقية الجبهات العربية، من دون اعتراف أو تفاوض أو صلح  

السابق
السجن 8 أشهر فقط لشرطي إسرائيلي قتل فلسطينيا مكبلا
التالي
مكاتب السوق: للاعتصام والاضراب والتظاهر غدا الخميس