هل يقبل جنبلاط ترغيباً ما رَفضه ترهيباً؟

خسر فريق 8 آذار الانتخابات النيابية لكنه فرض نفسه شريكاً في حكومة 14 آذار، وراح يعدّ العدة حتى تمكّن من إسقاطها واستبدالها بالترغيب والترهيب، بحكومة لا مكان فيها للفريق الآخر.

نجح في إغراء الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وأحمد كرامي، وأصاب في ترهيب النائب وليد جنبلاط، فحوّل الاقليّة أكثريّة ولو مركّبة وهَشّة.
وفي المقابل، خضعت قوى "14 آذار" للأمر الواقع، ولم تتعلّم العمل لشَنّ هجوم مضاد، بل بالعكس فقدت حيويتها وديناميتها وارتضَت ان تؤدّي رد الفعل، بدل ان تستعيد زمام المبادرة السياسية والشعبية، بعدما سُحبت الاكثرية منها وفقدت دعم مرجعيتي بكركي ودار الافتاء، وانقطع التواصل بينها وبين جمهورها، وحصرت حركتها في إطار "تنظيري" ضيّق.

وعلى رغم أن الحكومة يتآكلها العجز في إدارة الحد الأدنى من المطالب الحياتية والمعيشية، وتحاصرها الاعتصامات والإضرابات، وتشلّها حسابات التوازنات غير المتجانسة بين مكوّناتها، فإنها لا تجد مَن يطلق رصاصة الرحمة عليها، وإعادة خلط الأوراق لإيجاد توازن قوى جديد في البلد.
حتى أن محاولة اغتيال أحد أبرز قيادييها لم تحرّك قوى 14 آذار على مستوى الحدث وخطورته وارتباطه بمخطط الاغتيالات في المرحلة السابقة. وليس مقنعاً أن يعزو أحد أقطاب المعارضة سبب عدم انقضاضها على الحكومة الى "انّ المجتمع الدولي لا يريد في هذه المرحلة المس بالاستقرار الداخلي اللبناني، وان لا أحد في الخارج باله في لبنان الآن في انتظار جلاء الوضع السوري".

وفيما تنكفىء "14 آذار" عن أي مواجهة فعلية أو حقيقية، ترسم قوى "8 آذار" الخطوات التنفيذية لإحكام سيطرتها على السلطة، وإحدى هذه الخطوات هي الاعداد لقانون انتخابات نيابية من شأنه ان يؤمّن فوز الاكثرية الحالية حتى من دون جنبلاط ونوابه.
إلّا ان الوصول الى صيغة للدوائر الانتخابية تخالف حسابات جنبلاط، ليس بالأمر اليسير، إن لم يكن من المستحيل، خصوصا انّ بقاء جنبلاط في الحكومة يُبقيها، وخروجه منها يُنهيها.

وفي حسابات جنبلاط، انّ أي قانون انتخاب يعتمد دوائر كبرى ونسبية يشكّل بالنسبة اليه تهديداً وجودياً أخطر بكثير من التهديد الأمني، وهو إن استجاب لبعض الرسائل الأمنية خوفاً على الاستقرار في لحظة سياسية معينة، الّا انه لن يستجيب لقانون يُلغيه، وانما سيقاتل حتى النهاية.
وفي ضوء هذه المعادلة يصبح جنبلاط حامي فريق "14 آذار"، بتقاطع المصالح بينهما على المستوى الاستراتيجي.
كما أنّ لكلّ من الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي حساباته في التوازنات والاحجام السياسية، وإن بدرجة أقلّ في المناورة والتأثير، وبالتالي من غير المتوقع أن يدخلا في صفقات تؤدي الى إحكام قبضة فريق على مقدرات البلاد من خلال الانتخابات، لأكثر من اعتبار.

هكذا يمكن للمعارضة أن تنجو من سيف قانون انتخابي مُصلت فوق رؤوسها، ليس بفضل قوتها وديناميتها وإنما بفضل سليمان وميقاتي وجنبلاط، وأن تقول شكراً لزعيم الجبل.
الّا ان الطرح الاخير الذي قُدّم لجنبلاط بتشكيل مجلس شيوخ يعتبر بمثابة اغراء يدغدغ مشاعره، ويصعب عليه رفضه ولَو في مقابل قانون انتخابي لا يرضيه. فهل يقبل جنبلاط ترغيباً ما كان يرفضه ترهيباً، خصوصاً في ظلّ غياب خيارات "14 آذار" التي تمرّ في أسوأ مراحلها؟

السابق
قائد القطاع الغربي في اليونيفيل سلم قوى الامن مبنى للقوى السيارة في صور
التالي
…والكاميرا رصدت أحدهم ؟!