عن المجالس المذهبية المتعاظمة

"المجالس الفاطمية" التي تنتشر بشكل واسع لم يعرفها الشيعة اللبنانيون قبلا
هل ما يقال عن تقسيم المنطقة الى طوائف ومذاهب هو مشروع نحن براء من تنفيذه؟
البلد- الاربعاء 25 نيسان 2012
تلقيت دعوتين برسالتين على الهاتف النقال لحضور "المجالس الفاطمية" من قبل جهتين واحدة لها طابع ثقافي واخرى من قبل احدى الحسينيات. بالتأكيد الكثير من القراء لا يعرف ما هو المقصود بالمجالس الفاطمية، وانا كنت واحدا منهم قبل سنوات قليلة اذ لم اسمع ولم اشهد في بيئتي الدينية اباً عن جد ومحيطها شيئا عن هذا المصطلح وما يعنيه الا اخيرا، واعلم ان البعض سيتّهمني بتقصير وبجهل وربما بهويتي الشيعية وبنقص في التدين وما الى ذلك. ببساطة المجالس الفاطمية التي يجرى اليوم احياؤها بشكل متزايد، لم يعرفها الشيعة اللبنانيون الا قبل سنوات قليلة وبشكل محدود جدا، فهي مجالس مستجدة وتنتشر بشكل لافت ومتزايد في اوساط الشيعة اللبنانيين اليوم، وتتضمن احياء ذكرة وفاة السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول (ص) وزوجة الامام علي(ع) مترافقة مع تشديد على انها قتلت من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لا بل بدأت اقرأ بشكل غير مسبوق في كثير من قنوات التواصل مصطلح الشهيدة فاطمة الزهراء.
شخصيا، وانا اتابع كيف يتم تظهير الخصوصية الشيعية على هذا الشكل لا استطيع ان اهرب من هذا التحريض ببساطة لأن معظم هذه المجالس يخرج بسطاء الناس منها بحالة عاطفية ترى ان هناك ضحية قتلت وقاتلها لم يمت بل هو موجود وبالتالي كل من يقدّر تاريخ ودور الخليفة الثاني في تاريخ الاسلام وتثبيت الامة الاسلامية فهو الى جانب القاتل نفسه. زاد من طين خُطب هذه المجالس، الكثيرون من قراء العزاء الذين لا يمتلكون سوى حفظ بعض الروايات التاريخية والصوت الجميل وجلهم ليسوا من المتخصصين في البحث التاريخي ولا ممن يندرجون في صف العلماء الا ما ندر.
المرجع التاريخي الوحيد والفاعل في الدائرة الشيعية هو قارئ العزاء بهذه المواصفات، قادر على سرد بعض الروايات التاريخية بقراءة ايديولوجية وتحشيد الجمهور واستنفار عاطفته، وغالبا ما تُستحضر الروايات برؤية معيارية هدفها تبرير الموقف الذي يزيد من العزلة ويعلي من الخصوصية على حساب المشترك العام.
ولا ريب ان المذاهب الاسلامية على تنوعها بين السنة والشيعة، هي مذاهب نشأت منذ اكثر من الف عام، شكلت منظومة كلامية واستقرّت على مبان فقهية وتاريخية لا تريد ان تُناقش فيها، رغم ان هذه المباني تصاب بالتكلس والجمود وتترتب عليها آثار اجتماعية وعزلة من مظاهرها فكرة الفرقة الناجية. وهي لا تريد ان تفتح ورشة النقد التاريخي وإعادة قراءة الاسلام التاريخي، وعدم قراءة التاريخ ايديولوجيا. فحتى فكرة العودة الى الخلافة الاسلامية التي ينادي بها بعض التيارات الاسلامية السنية، هي في الاصل وفي السياق التاريخي نموذج مزج بين نموذجي الامبراطوريتين الفارسية والرومانية، ولم تستطع الدول الاموية والعباسية وما بعدها… والتي انشأت نموذجها بعد الخلفاء الراشدين ان تلغي اشكالية العلاقة بين السلطان والفقيه، وإن كان الفقيه شرّع سلطة السلطان فمن باب منع الفتنة وليس من باب اعتباره المثال المنسجم تماما مع مقاصد الدين.
التركيز على الخصوصية المذهبية التي تنتشر بشكل غير مسبوق في الدوائر المذهبية الاسلامية، يبرز لدى دوائر شيعية معتبرة ايضا بشكل يثيرالتساؤل حول السياق الذي تسير فيه، وما يترتب عن هذا السياق من آثار اجتماعية وسياسية وهل هو عفوي ام سياسي؟
هل هو جزء من عزل الشيعة عن محيطهم الوطني او العربي او الاسلامي؟ عبر المطابقة بين الهوية السياسية والهوية المذهبية، وجعل الانتماء الخاص عائقا امام الهوية الجامعة سواء كانت وطنية او عربية وحتى اسلامية؟ ففي وقت يعتز الايرانيون بحضارتهم قبل الاسلام، يأتي الدين ليدعم لديهم المشروع القومي، فلا يشكل المذهب عائقا امام اعتزاز الشعب الايراني وقيادته السياسية والدينية بالانتماء للحضارة الفارسية. الوظيفة السياسية لابراز الخصوصية المذهبية الشيعية كما تتعاظم اليوم ايا كانت مبرراتها ومسبباتها، تدفع بهم نحو العزلة ورفض اي هوية جامعة ان لم تكن على مقاس خصوصيتهم او ضمنها ، وتدفع نحو الاعلاء من شأن الجماعة الاهلية على الدولة، وهي ذاهبة نحو المزيد من العصبية والمزيد من الانغلاق. "المجالس الفاطمية" كما تنتشر هذه الايام وبهذا الشكل غير المسبوق والاستعراضي في لبنان لا يبدو انها تتخذ مسارا يساهم في تعزيز الوحدة اسلاميا او وطنيا…وهي تدفعني الى السؤال: هل ان ما يقال عن تقسيم المنطقة الى طوائف ومذاهب هو مشروع نحن براء من تنفيذه فعلاً؟

السابق
“تايم” تؤكد “مقتل عبد الغني جوهر”
التالي
الراي: جنبلاط يمدّد عمر حكومة ميقاتي و… يهدّد بقاءها