حين أراد بري إسقاط الحكومة 

لم يبلغ النائب وليد جنبلاط «حلفاءه» الحكوميين جميعاً بقرب موعد زيارته للسعودية. حتى الأقربون منهم، كالرئيس نبيه بري، وصله الخبر بالتواتر خلال جلسة مجلس النواب. شؤون الائتلاف الحكومي لا توحي بالخير. فكرة استقالة هذه الحكومة واستبدالها بأخرى من التكنوقراط ليست عابرة، وكادت فعلاً أن تطيح هذا الائتلاف. تقول مصادر ساسية بارزة في قوى 8 آذار إن خبر «التكنوقراط» وصل إلى مسامع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أكثر من ستة أسابيع. وحينذاك، بدأ بري القصف على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. كان رئيس المجلس قبل ذلك يرى الحكومة تضيّع الفرصة تلو الأخرى، من دون أن تأخذ في الاعتبار كونها تحولت إلى ماكينة انتخابية لقوى 14 آذار. ثم أتى رئيسها ليتوّج هذا الأداء بتواصل مع الرئيس فؤاد السنيورة، جدول أعماله من بند وحيد: إسقاط الحكومة الحالية، وتأليف حكومة تكنوقراط.

يوماً بعد آخر، حلّت القطيعة بين بري وميقاتي، وهما اللذان مررا معاً الحكومة في أكثر من حقل ألغام. استمرت طلقات بري صوب جاره الحاج نجيب، ووصلت إلى ذروتها بتعيين موعد لجلسات المساءلة النيابية. وخلال فترة القطيعة، عقد ممثلون عن بري أكثر من اجتماع مع الحليفين الرئيسيين: حزب الله والتيار الوطني الحر. الوزير علي حسن خليل أبلغ زميليه في حلقة التواصل، حسين الخليل وجبران باسيل، أن على الحلفاء أن يعيدوا تقويم الوضع، ودراسة جدوى البقاء في الحكومة أو عدمه. وأضاف خليل: «يريد ميقاتي الانسحاب، ومفاوضات السنيورة معه قطعت شوطاً مهماً في هذا المجال. وفي المقابل، الشلل الحكومي يأكل من رصيدنا الشعبي». وخلص المعاون السياسي لبري إلى أنه قد يكون من المفيد الانسحاب من الحكومة قبل أن يستقيل ميقاتي. كان ذلك في إطار التفكير بصوت مرتفع، وفتح باب النقاش السياسي على مصراعيه.

وافق الخليل وباسيل زميلهما على توصيف الوضع الحكومي، على ما تفيد المصادر نفسها، لكنهما في الوقت عينه أرادا التيقّن من توجهات ميقاتي. سريعاً، طلب الحاج حسين الخليل موعداً من ميقاتي. نفى الأخير وجود نية لديه للاستقالة، أو القبول بعرض الرئيس فؤاد السنيورة ترؤس حكومة تكنوقراط. لكن ما كان مقطوعاً بين بري وميقاتي لم يجد من يصله. وبين سفر لميقاتي وآخر، لم يقدم أحد الرئيسين على خطوة باتجاه الآخر. استمرت القطيعة إلى أن حانت جلسات المساءلة الحكومية. التقيا، فتعاتبا. طرح بري هواجسه: سأل عن الوعود التي قطعها ميقاتي للسنيورة. ردّ رئيس الحكومة نافياً وجود نية لديه للاستقالة، مؤكداً أنه ملتزم البقاء في الحكومة.

هواجس بري لم تُمح كلياً، لكنّ لقاءه بميقاتي بدّد جزءاً منها، ما دفعه إلى تخفيف لهجة خطابات بعض نواب كتلة التحرير والتنمية في مواجهة الحكومة، وإلى تعديل جذري في خطابات أخرى. ثم تتالت أحداث الجلسات، ليُصبح ميقاتي محتضناً من ذراعين: الهجوم العوني على تيار المستقبل وحكوماته السابقة، ودفاع حزب الله عن الحكومة. ثم أتت «خبطة» النائب سامي الجميّل بطرح الثقة لتعطي الحكومة دفعاً جديداً إلى الأمام، يقيها شر الانفراط خلال شهرين أو ثلاثة أشهر مستقبلاً، على حدّ تقدير مصادر معنية بالعمل الحكومي في قوى 8 آذار. وترى تلك المصادر أن بقاء الحكومة حتى حزيران أو تموز المقبلين يجعل من الصعب على أي جهة إسقاطها، إلا إذا حدث أمر غير طبيعي في المنطقة، وفي سوريا تحديداً. تضيف المصادر: إن جنبلاط الذي سيكون مطلوباً منه إسقاط الحكومة هو أكثر مكوّناتها ارتياحاً لوضعيّته في داخلها، وخاصة أنه يحصل على كل ما يريده منها، وعاد ليلعب دوره التقليدي كبيضة قبان الحياة السياسية. وخارجياً، «يحظى ميقاتي برضى سعودي في الحدود الدنيا، وغربي لا بأس به». أما قوى 14 آذار، ورغم ارتفاع صوتها بشأن المطالبة بحكومة محايدة تدير الانتخابات، «فإنها تعلم علم اليقين أن أدوات إدارة العملية الانتخابية، أي الأمن والقضاء، لا يزالان في أجزائهما الرئيسية ممسوكين منها، فيما الأجزاء الأخرى غير معادية لقوى المعارضة. ويُضاف إلى ذلك أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيكون على الأرجح محايداً في استحقاق عام 2013، لأن أداءه الحالي يشير إلى أنه لن يكون مرشحاً للانتخابات».

السابق
الاخبار: البواخر: القوات تطلـب التحقيق والعونيّون يرونه هرطقة
التالي
المستقبل يُحصي المغتربين