أخطر من إدمان المخدرات!!

تراهم كالدّمى المتحركة، تتلاعب بها لوحة مفاتيح في هاتف صغير لا يتجاوز حجمه كف اليد… وغالبا ما تراهم يعتكفون في زاوية البيت أو المقهى أو حتى مكان العمل، يرسمون بأصابعهم تفاصيل عالمهم الخفيّ… وحدها رنة الهاتف المزعجة قادرة على تحريكهم، حتى لو كانوا في الحمام أو يقودون سياراتهم! رنّة صغيرة كفيلة بإعلامك أنّ من تراه أمامك، هو من عشاق الـblackberry والـ"i phone" وغيرها، أو من هواة برامج المحادثة مثل الـwhatsApp والـtwitter…

في زمن تزايدت الأعباء الحياتية وتحديداً أعباء الوالدين وانشغالهما، تزايدت ظواهر اجتماعية خطرة، وانتشرت سلوكيات سلبية ما كان لها أن تجد طريقاً للأسرة في حال انتباه الأبوين. وبما أن التطور التكنولوجي قد سهَّل كثيراً عملية التواصل وقرَّب البعيد، فإنه في المقابل أبعد القريب وحوَّل العلاقات الاجتماعية إلى مجرّد مكالمات وميسَّجات ورنّات ورسائل إلكترونية، خصوصاً في ظل رياح التغيير التي لا شك أنها طاولت جميع الشباب من الجنسين.

ففي حين تكثر فوائد الأجهزة الخلوية وتأثيراتها المتعددة في الناس والمجتمعات، نظرا إلى القفزات السريعة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات التي جعلت منها حواسيب صغيرة وذات ميزات متعددة مثل فهرسة الأرقام وتدوين الملاحظات وتسجيل المواعيد واستقبال البريد الإلكتروني وغير ذلك من التطبيقات المعلوماتية الكثيرة، إلا أنّ سلبيّات هذه الظاهرة لا تخفى. وأوّلها وأهمّها الإدمان على خدمة المحادثة الخاصة في الهواتف الخلوية، والتي أصبحت اليوم أصعب من الإدمان على التدخين وحتى الكحول! وبات المرء يستسلم لها ولا يملّ من التواصل مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإطلالة سريعة بين الحين والآخر في النهار الواحد.
نحاول تسليط الضوء على أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها ووسائل المعالجة وكشف سبب الإقبال الشديد من الشباب على اقتناء أجهزة "البلاك بيري" والـ"أي فون" وغيرها من الأجهزة الحديثة.

خلال جولة استطلاعية، التقت "الجمهورية" بعض مستخدمي الـ"بلاك بيري" والـ"أي فون" وبعض محلات بيعها، لنستكشف السر الذي يميز هذه الأجهزة التي تسحر الكبار والصغار. يؤكد فادي ت. صاحب محل للهواتف النقالة أن "مبيعات الـ"بلاك بيري" والـ"أي فون" ومستلزماتهما تدر أكثر من 80 في المئة من ربح لمحلات بيع الهواتف"، ويضيف: "لا أدري ما السر الموجود في هذه الأجهزة غير "الشات" لأن الإنترنت موجود في سائر الأجهزة أيضا، وأعتقد أن المسألة وما فيها مجرد موضة أكثر من أي شي آخر".

وتشير الموظفة رانيا سليمان إلى أن "شريحة واسعة من فتيات وشبان اليوم ينجرون وراء المظاهر، وموديل الجوال يعتبر عنصراً أساسياً يشغل تفكيرهم في الحياة اليومية، وهنا تكمن الخطورة لأنهم لا يدركون الدور الحقيقي المطلوب منهم مما يجعلهم يعيشون حياة بعيدة عن قضايا المجتمع ويحصرون أنفسهم في الأمور التافهة والملهيات بشكل مبالغ فيه".

وتقول الطالبة سينتيا سلام إنها معجبة بهذا الجهاز العجيب، مشيرة إلى أنهم لا يعرفون المميزات الكثيرة التي تشتمل عليها هذه الأجهزة، مثل إمكان تعريف أكثر من حساب، إضافة إلى تصفح الإنترنت أثناء التنقل. ويقتصر استعمالهم له على الاستمتاع بما يقدمه من عروض ترفيهية والتواصل مع الآخرين عن طريق (بي بي ماسنجر) والدردشة" .
وترى سميرة الأشقر وهي أستاذة جامعية، أنّه "دائماً ما يأخذ شباب اليوم الجانب السلبي من الحضارات والتقنية الحديثة التي نستوردها، كما حدث في مواقع الاتصال الاجتماعية كـ"الفيس بوك" و"التويتر"، والمشكلة تكمن في الإدمان على تلك المواقع، التي أصبحت مكاناً خصباً لنشر الشائعات".

أما الدكتور جورج رياشي، استشاري الأمراض النفسية، فيلفت الى أن "اهتمامات شباب اليوم بالتكنولوجيا لا يختلف عن إدمان المخدرات، وشباب الـ "بلاك بيري" والـ "أي فون" يدخلون في الدائرة نفسها من "الشات" واستخدام "الماسنجر" للتواصل مع الآخر وتبادل النكات والطرائف ونتائج المباريات والأخبار المختلفة والمتنوعة"، ويلفت إلى أنّ "إدمان الشباب على استخدامه ولَّد لديهم حال من العزلة وأفقد الحياة الاجتماعية مذاقها ودفئها".

وفي هذا السياق، أظهرت تقارير صحية تتحدث عما أسمته بمرض "إبهام الـ"بلاك بيري" والـ أي فون" أو الإصابة الشائعة التي تطول الإبهامين في اليد، بسبب الاستخدام المكثف لهذه الأجهزة الخلوية. وباتت هذه الإصابة شائعة، ومن أبرز عوارضها وجود الحكة وألم في أصابع اليد والمعصم.
ونقلت صحيفة "صنداي ستار تايمز" عن دورية "نيوزيلند ميديكال جورنال" الطبية أن "كثرة كتابة الرسائل النصية أدت إلى التهاب الأوتار المحيطة بأصبع الإبهام، وتلك القريبة من الرسغ، ما أدى إلى امتلائها بالسوائل"، إلا أن واضعَي التقرير رجَّحا "أن يكون هذا المرض منتشراً أكثر مما هو متوقع بسبب انتشار هذه الأجهزة التي تدعم التواصل الإلكتروني وكثرة كتابة الرسائل النصية وإرسالها بالهاتف المحمول".

وفي المحصّلة، لا يكاد يخلو بيت من هذه الأجهزة "الخطرة"، حتى في المناسبات الاجتماعية والعائلية، وكذلك الأمر في الشركات وأماكن العمل، فضلا عن الأماكن العامة. أما في الطرقات فحدّث ولا حرج… سائقون، ركاب ومارّة تشدّهم الشاشة الصغيرة بفضول واهتمام مبالغين، يدفعان معظمهم الى حوادث لا تُحمد عقباها.
ويؤكد، في هذا الاطار، العديد من السائقين أن استخدامهم الهاتف النقال أثناء القيادة أدى إلى ارتكابهم مخالفات مرورية متفاوتة، واصطدامهم بمركبات أخرى وإتلاف أملاكهم وأملاك الغير بسبب انشغالهم بالرد على الهاتف أو كتابة الرسائل.

ويقول سامر سلامه: "أثناء قيادتي سيارتي اصطدمت بسيارة أجرة توقفت فجأة أمامي، بينما كنت أجيب على صديقتي عبر "الشات" في هاتفي النقال، ما تسبب بأضرار في السيارتين، وقد تكبدت مبلغا يزيد على 1000 دولار بسبب انشغالي بجوالي وغياب أي تأمين لسيارتي"، لافتا إلى أن "الخطورة الأكبر في استخدام الهاتف النقال أثناء القيادة هي بكتابة الرسائل إذ تنشغل اليد والعين في ذلك وهو ما يشتت تركيز السائق ويوقع كوارث مرورية"، ناصحا جميع السائقين بعدم استعمال الهاتف النقال أثناء القيادة مهما كان السبب.
بينما يؤكد عبد الله راجي التزام قوانين السير، قائلا: "إن مخالفة تلك القوانين تعرض السائق للضرر، وأن المشرعين لقوانين السير أرادوا من تلك التشريعات الحفاظ على أرواحنا وأملاكنا وليس العكس"، مشيرا إلى "أنني خسرت أخي بسبب تحدثه الى هاتفه أثناء القيادة…" وأضاف: "لقد اعتدت بعد هذه المصيبة أن أتجاهل هاتفي أثناء القيادة مهما كان الأمر ضروريا".

ويعزو روجيه ديب السبب في تساهل السائقين باستخدام الهاتف النقال إلى رجال الشرطة، "الذين لا يشددون العقوبة على المخالفين، والذين ينظمون بين الفترة والأخرى حملة لمدة يومين أو ثلاثة ومن ثم يعود السائقون لارتكاب مخالفاتهم". ويضيف: "إن أحد أسباب ارتكاب هذه المخالفة ضعف الحملات التوعوية التي تنظمها إدارة مرور الشرطة والجهات المعنية بذلك، حيث ينساق الناس عادة إلى تصوراتهم التي تكمن في الأفكار التي يحصلون عليها من مجتمعهم والبيئة التي يعيشون فيها، فإذا ما شاهدوا أو قرأوا أو استمعوا إلى برامج توعوية كثيرة تحذر من أضرار استخدام الهاتف النقال أو كتابة الرسائل أثناء القيادة، فإن هذه المعلومات والبرامج ستنتقل إليهم وتتحول أفكارا تدخل اللاوعي لديهم، وتجد لتصوراتهم الجديدة مكانا في أدمغتهم، وبذلك يبدأون شيئا فشيئا بالالتزام والامتثال بعد الاقتناع بخطورة الأمر ومعرفة إيجابياته وسلبياته بشكل واضح".

من جهته، يشير جواد حبيب صاحب محل بيع زينة السيارات الى أن "التطور التكنولوجي أتاح للسائقين استخدام هواتفهم النقالة أثناء القيادة من دون التعرض للخطورة أو التسبب بأي أضرار، وذلك من خلال استخدام تقنية "البلوتوث" التي يستطيع أي سائق بأي سيارة استخدامه".

في جميع الأحوال، لم يبقَ لدينا خيار في رفض هذه الخدمات أو قبولها، فإما أن نكون ضمن معادلة التطور التكنولوجي وسرعة تبادل المعلومات أو خارجها. فلا احد منّا يعلم على أي موضة سنستفيق غدا، وقد يأتي يوم نترحّم فيه على هذه الخدمة!

السابق
ارسلان: الإصلاح باعتماد النسبية
التالي
تركيا تستنجد بـالأطلسي.. لماذا؟!