المعطيات تبدلت إلا سوريا في لبنان

لعله من المفيد بعد كل هذا الصخب في مجلسنا الكريم، وبلوغ مستوى الخطاب الدرْك الذي لم يبلغه سابقا على ما أظن، العودة الى الهدوء، لا لترميم جسد الحكومة المصاب بكل أنواع الجروح والحروق والندوب، على رغم نيلها الثقة على "انجازاتها" اللافتة في الكهرباء والاتصالات ومعالجة ملفات الضمان والمستشفيات والمحروقات والسجون، وخصوصا الحدود وما اليها، بل للتطلع الى المستقبل، القريب منه قبل البعيد، لأننا جميعاً في مركب واحد، إذا غرق، لا قدّر الله، صرنا كلنا الى زوال.

وفي هدوء ما بعد عاصفة المجلس، كان لا بد من قراءة السفير الفرنسي المسافر دوني بييتون، في حديثه الى "النهار" السبت، للافادة من نظرته المتأنية الى الوضع اللبناني، اذ توقف عند نقاط لا بد من الاضاءة عليها:
اولا: ان المعطيات تبدلت لديه بعد محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع، فلم يعد الوضع اللبناني مضبوطا، على رغم تأكيده ان المحاولة ليست "مقدمة لاستدراج عروض غربي كما كانت محاولات الاغتيال السابقة"، في اشارة واضحة لم يشأ التوقف عندها، الى ان الفاعل معلوم وهو كان يفاوض الغرب بتحويله لبنان وأشلاء ابنائه مادة لهذا التفاوض، وهو ما صار واضحا للجميع في اتفاق الدوحة حيث اتفق مع الفاعل على وقف عملياته. والخطورة هنا تكمن في امكان عودة الاغتيالات والعمليات الارهابية الممارسة على اللبنانيين. ولا نعلم تماما ما هي معطيات الرئيس ميشال سليمان في قوله من اوستراليا إن لا مؤشر لعودة مسلسل القتل، وعما اذا كان نال تعهدا من الجاني المفترض.

ثانيا: يرى بييتون، "ان اتفاق الدوحة يلفظ انفاسه غير ان أحداً غير مستعد لتحمل مسؤولية إنهائه، تماما كما اتفاق الطائف الذي لا يود احد فتح ملفه". وفي هذا تأكيد لانتهاء الهدنة التي اتفق عليها مع الجاني كما ذكرنا سابقا، لكن الجانب الآخر المهم في الامر، هو سقوط الاتفاق على الانتخابات كما اقر في العاصمة القطرية، وفي ذلك خوف من تأجيل الاستحقاق بسبب عدم الاتفاق على اي قانون جديد، أو ربما الاقتراع مجدداً وفق قانون يقولون ان مفاعيله انتهت منذ خمسين عاما فيما هو ماثل امامنا في كل حين. والاسوأ من كل هذا امكان لجوء الاكثرية الحالية الى فرض قانون يناسبها لتكريس انتصار على المعارضة.

وثالثة النقاط وصف بييتون الوضع السوري بالخطير ونصحه اللبنانيين بعدم ربط مصيرهم به، لان في ذلك استنزاف كبير للبلد و"لدى السلطات السورية دوما وسائل للتصرف في لبنان وهي لا تزال تعتمد على بدائل، وهي تمرر دائما الرسائل الى المسؤولين اللبنانيين الذين يعود اليهم الاخذ بها او لا". وعلى رغم الكلام الديبلوماسي المنمق، فإن الاشارة واضحة الى ادوات محلية شريكة وتنفذ او تستعمل في تنفيذ المآرب السورية وهي معروفة لدى اللبنانيين ولدى المجتمع الدولي. لكن بييتون يشدد على أنه "يبدو سهلا رمي التبعات على الوضع السوري او الخلاف الايراني السعودي، في حين ينبغي التركيز على العوامل المحلية".
هل يرتقي ما قاله الديبلوماسي الفرنسي الى مستوى الدرس؟ في الحقيقة لم يتضمن فائضا عما نعرفه، لكنه نظرة من أجنبي خبير مراقب لأحوالنا توضح لنا كيف ينظر العالم المتحضر الينا وكيف يراقب وماذا يترقب. فهل يساهم في ازالة غشاوة عن عيوننا بعيدا من مزايدات الزملاء النواب الخالية من كل نظرة مستقبلية.

السابق
هل أخطأ سامي الجميّل؟
التالي
لا تخافي.. هرموناته ستعيده زحفاً إليكِ سيدتي !