يا أخي كلهم محمودات

عندما يتوجّه النائب الكريم إلى زميله المسلم بالكلام فلا يناديه إلّا باسمه الأول محمد، أما جورج فلا تجوز مناداته إلّا استباقاً بنسب «الأخوة»: «يا أخي»، فإنّ الفرز يصبح معياره مناصرة الشقيق بالانتماء إلى الطائفة على قياس «أنصر أخاك ظالماً كان أم مظلوماً».
لقد ترجم النائب بأمانة مسرحية فيلم أميركي طويل لـ زياد الرحباني، وها هو يعيد شخصية إدوار كأنها بعثت لتتزعم تياراً بكامله كان زعيمه يقول يوماً: "إذا تكلمت طائفياً أنبذوني". فمَن سينبذ مَن؟ بعد ما سمعه الرأي العام في مجلس النواب من كلام فيه من الفجاجة والصراحة والعزم إحياءً لأخطر ما في كلّ إنسان من غرائز كامنة، تماماً كما وصفها نبيه بري مجازاً بأنها تلبس لباس وَحش طائفي كلما استفاق انحدر بمَن يستفيق في داخله إلى مجاهل القرون الوسطى.

هي مواصفات إدوار الذي يرى في كل مسلم خطراً على وجوده، ويقول عن المسلمين: "كلهم محمودات".

وإدوار بالنسخة الجديدة أصبح تياراً له جاذبيته عند المسيحيين، له نواب في البرلمان، له زعيم لا يتكلم مع ملّته إلّا ليقول لهم كلهم محمودات، وهو غَيّر تكتيكاته فانتقى من المحمودات الأكثر فائدة لمصالحه، وسوّقه على أنه سلاح لمحاربة باقي المحمودات.

وإدوار ينظر بشفقة إلى أخيه جورج لأن محموداته لا يعاملونه بنفس الدلال، لأنهم أمة الغائية لا همّ لها إلّا استهداف المسيحيين من مصر إلى العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان.

لا شكّ في أن من تكلّم بالأمس بهذا المنطق يعبّر عن شريحة عابرة للحدود بين "الأخوة"، شريحة عبّر عن هواجسها بعض رجال الدين المسيحيين من القمة إلى القاعدة، هذه الشريحة تؤمن أن المسيحيين أصبحوا مسيحيين شيعة ومسيحيين سنّة، وخيّل لها أن الخلاص من أزمة الانقسام هذه يكمن في ترتيب مصالحة بين "الأخوة المسيحيين" تنطلق من الوقوف صفاً واحداً لاسترداد حقوق أكلها "المحمودات"، مرّة بقَضم صلاحيات رئيس الجمهورية باسم الطائف، ومرّة بلَطش موقع الأمن العام وغيره من المواقع في الإدارة.

هي نظرية لا تتكلف عناء العودة إلى الماضي القريب لتذكير من تكّلم بالأمس وما يمثّل بأن أحوال "الأخوة المسيحيين" حين كانوا أخوة في منطقة واحدة لم تكن بأفضل أحوالها، خصوصاً عندما مارسوا "الأخوّة" تجاه بعضهم بكل ما تحمل من معانٍ نبيلة من "الصفرا" إلى "إهدن" إلى "حرب الإلغاء"، والجميع عايَنَ كيف لم يسلم من نتائج هذه "الأخوّة" بشر ولا حجر، وكيف صبغت الماضي بالسواد، وكيف سدّت المستقبل بالآمال المثقوبة.

والجميع يعلم أن التعامل الأخوي بين المسيحيين لم يكن أفضل حالاً بين من مارسوا فنون الأخوّة من الشيعة والدروز والسنّة، وهذا ما يجعل المناداة بتطبيق معايير هذه الأخوّة عودة لزمن استعر فيه السباق داخل الطوائف على امتلاك زعاماتها الأحادية على شكل صراع سالت فيه أنهار الدماء.

لقد كان ردّ الأخ جورج في مجلس النواب على حامل لواء الأخوّة باسم الانتماء الطائفي رداً غير كاف، فقد كان لزاماً عليه أن يوضح لأخيه أن الأخوّة في زماننا لم تعد أخوّة الدم والتشارك في انتماء طائفي، بلّ تجاوزت هذه البدائيات التي لا تصلح لأن تكون أكثر من مادة انتخابية. وكان عليه أن يقول للأخ: رُبّ أخٍ لم تلده طائفتك إذا كنت تتشارك وإيّاه في قيَم العدالة والحرّية وكرامة الإنسان.

وكان على الأخ جورج أن يقول له أيضاً: كنتم تهاجموننا في الماضي لأننا قلنا بمنطقة للمسيحيين بين المدفون وكفرشيما، فما بالك يا أخي لا تتحدث إلّا عن منطقة بين أنطلياس وبعبدا؟!… فعلاً أمركم غريب.

السابق
أوساط سياسية
التالي
قَرِفت