لماذا فتح رئيـس الحكومـة النار على الرئيـس الإيراني؟

فوجئت الدبلوماسية الإيرانية بانتقاد الرئيس نجيب ميقاتي لزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة «أبو موسى»، لكنها قررت، كما يبدو، عدم التعاطي سلباً معه، وإن كانت قد أحاطته بعلامات استفهام حول موجباته وخلفياته.
وعلى الرغم من أن الدبلوماسية الإيرانية كانت تفضل لو أن رئيس الحكومة اللبنانية لم يذهب إلى هذا الموقف، فإن السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي قدم للرئيس ميقاتي ما وصف بـ«توضيحات هادئة» مفادها أن زيارة الرئيس الإيراني إلى جزيرة «أبو موسى» تندرج في سياق تقليد سنوي يعبر عنه في زيارات الى المحافظات الإيرانية.

للإيرانيين أسبابهم في عدم التعاطي السلبي مع موقف ميقاتي. ربما، كما يقول عارفون، لرغبة الجانب الايراني في عدم الدخول في بازار السياسة اللبنانية وسجالاتها ومزايداتها، ولعل أحد أهم اسباب نأي الجانب الايراني بنفسه عن السلبية، يكمن في الحرص على تجنـّب كل ما من شأنه تعكير انعقاد الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية اللبنانية الإيرانية المشتركة في بيروت نهاية الشهر الجاري، بالتزامن مع زيارة يقوم بها النائب الاول لرئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية محمد رضا رحيمي الى العاصمة اللبنانية.
على أن المفاجأة من موقف ميقاتي، لم تنحصر بالدبلوماسية الإيرانية وحدها، بل اجتاحت الجسم السياسي اللبناني، وعلى ضفتي الحلفاء والخصوم، وكذلك على مستوى الشركاء في حكومة الاكثرية التي يرأسها، وبالتالي ولـّدت الأسئلة الآتية:

اولا: ماذا يريد نجيب ميقاتي؟
ثانيا: لماذا ظهـّر ميقاتي ما دار بينه وبين السفير الايراني حول زيارة نجاد الى الاعلام، ولماذا لم يكتف بما أبلغه للسفير الايراني مباشرة، واعتباره المواقف التي أطلقها الرئيس الإيراني خلال الزيارة تمثل تأجيجاً للصراع الدائر في المنطقة، واستغرابه ما قاله نجاد من أنه لم تكن هناك أي ثقافة وحضارة باستثناء الحضارة الإيرانية، وتأكيده، أي ميقاتي، أن الحضارة العربية نشرت ثقافتها في كل دول العالم منذ وقت طويل؟

ثالثا: إن المبدأ العام الذي اعتمده ميقاتي في مقاربة اكثر الازمات حساسية وخطرا والاكثر التصاقا بلبنان أي الازمة السورية، هو النأي بالنفس عنها تحت مبرر ان هناك رأيين متناقضين في لبنان مما يجري في سوريا، ولكي لا يتأثر لبنان بسلبيات تلك الأزمة، فلماذا خرج على منطق النأي بالنفس وقرر فجأة ان يكون طرفا في قضية خلافية عربية ايرانية مزمنة، ومحكومة منذ سنوات طويلة بلعبة عض اصابع ايرانية عربية، وبحسب الظروف السياسية والاقليمية والدولية؟

رابعا: اذا كان هناك رأيان متناقضان في لبنان من سوريا، وتجنبا للتداعيات، فكان لا بد من اعتماد منطق النأي بالنفس، فماذا عن ايران وهل هناك نظرة لبنانية موحدة اليها، أليست في المدار ذاته الذي تدور فيه سوريا، وصاحبة دور اساسي وحضور قوي في لبنان، وأليس في لبنان اكثر من رأي او نظرة الى ايران ودورها وموقعها، بين من هو مبتعد عنها ويعاديها ولا يخجل بإعلان عدائه لها، وبين من هو ملتصق بها ويصادقها ولا يخجل بإشهار تحالفه معها، والشواهد على هذا التناقض لا تنحصر فقط ما بين 8 و14 أذار، بل هي موجودة حتى ضمن الحكومة التي يرأسها ميقاتي، أفلا يخشى من تداعيات سلبية ايرانية؟

خامسا: هل إن ما صدر عن ميقاتي هو موقف شخصي تفاعل فيه مع قضية عربية استفزته من دون أية حسابات، وهل تم بالتنسيق ما بين القوى «الوسطية»، وهل تم إخضاعه لتشاور سياسي محلي، او لتشاور رئاسي، او لتشاور على مستوى حكومة الأكثرية التي يرأسها؟
سادسا: إذا صدر هذا الموقف من دون تشاور، فهل يملك ميقاتي ارادة التصرف بموقف حساس بهذا الحجم، من دون التشاور مع سائر المكونات السياسية؟
سابعا: هل إن موقفه هذا ملزم له شخصيا فقط ام انه ملزم للحكومة اللبنانية ايضا، وماذا لو بادر اي من مكونات الحكومة الى طلب توضيح رسمي، فهل ستتبنى الحكومة موقف ميقاتي؟
ثامنا: «حزب الله» الحليف الاول والأقوى والأقرب الى ايران، ومعروف مدى حساسية العنوان الايراني بالنسبة اليه، فهل يحاول ميقاتي استثارة «حزب الله»؟
تاسعا: هل وجد ميقاتي في زيارة نجاد الى جزيرة ابو موسى فرصة لتوجيه رسالة تودّد سياسي نحو دول الخليج؟
عاشرا: هل ان موقف ميقاتي ترجمة لرغبة ما، او هو إنفاذ لنصيحة ما، من جهة ما؟
حادي عشر: ماذا لو قرر الايرانيون ان يتعاطوا سلبا مع ما طرحه ميقاتي، وماذا لو قرروا التصعيد فإلى اين ستذهب الامور؟

في مقابل تلك التساؤلات، يسجل «الميقاتيون» استغرابهم لإخضاع موقف طبيعي ادلى به رئيس الحكومة لهذا الكمّ من التفسيرات، «وثمة من أخضعه للمحاكمة بدلا من ان يتمعن في الهدف الذي رمى اليه ميقاتي من اثارة هذا الموضوع، اذ ان رئيس الحكومة عبر في موقفه هذا عن الحد الادنى من واجبه العربي والاسلامي، من خلال اطلاق صرخة في هذه الصحراء، محذرا من كل ما يمكن ان يؤدي الى تأجيج الصراع في المنطقة، فيما يرى الكل بأم عينيه مدى التخبط والتوتر الذي تعيشه، ومن هنا جاءت دعوته المباشرة الى ان المرحلة تتطلب حسن دراية لتعزيز الاستقرار، الذي ينعكس ايجابا على كل دول المنطقة، ويساهم في زيادة نموها وتطورها».

وبدورها تطرح الاوساط القريبة من ميقاتي علامات استفهام حول التفسيرات «غير الواقعية» في نظرها، خصوصا ان المسألة انتهت مع اللقاء بين رئيس الحكومة والسفير الايراني، اي انها انحصرت في زمانها ومكانها، فتلك هي حدودها ولا ذيول لها، وبالتالي لن تكون لها اية تأثيرات على العلاقة، لا مع ايران ولا مع اي من الدول الصديقة والشقيقة، «وكل محاولة لتضخيم هذا الموضوع سياسيا وإعلاميا نعتقد انها غير مجدية، لا بل محاولة فاشلة، يراد منها فقط التشويش والتأزيم الداخلي».
وتؤكد الاوساط القريبة من ميقاتي تمسكه بكل ما قاله حول هذا الموضوع، «لأن رئيس الحكومة وجد في زيارة نجاد الى جزيرة ابو موسى خطوة خاطئة وفي توقيت خاطئ، احوج ما تكون فيه المنطقة الى مساهمة كل الحريصين في إخماد الحرائق، لا ان يتم اشعال حرائق جديدة، وبالتالي كان في مقدور الجانب الايراني ان يتجنب القيام بها، خصوصا انها جاءت كمن يصب الزيت على النار لزيادة اشتعالها».
وبحسب هذه الاوساط ، فإن «الامر المستغرب هو مبادرة البعض الى رسم ابعاد غير منطقية لموقف ميقاتي، بين قائل ببعد استرضائي لفريق او جهة او دولة عربية، وبين قائل ببعد استفزازي لهذا الطرف او ذاك، وبين قائل بأن رئيس الحكومة يدق اسفينا في علاقاته الداخلية وفي حكومته، وفي ما بينه وبين المكونات السياسية التي تشكلها. وبين من يرى ان رئيس الحكومة انطلق في موقفه من حسابات معينة وأنه يؤشر في موقفه هذا الى انه بدأ يعيد حساباته، في محاولة للاستفادة من اية فرصة سانحة لظروف سياسية وامتيازات افضل من تلك التي يعيشها حاليا».
ولعل ما يتم التأكيد عليه في الاوساط المحيطة برئيس الحكومة هو ان سياسة «النأي بالنفس» المعتمدة حيال الازمة السورية، محصورة بسوريا فقط، ولا تعني ابدا انسحابها على قضايا اخرى وعلاقات اخرى ودول أخرى. وفي الخلاصة «لقد قال ميقاتي كلمته ولم يمش، فلا استرضاء لأحد، ولا استفزاز لأحد، والأهم أنه في كل موقف او خطوة يتخذها لا ينتظر لا حمدا ولا شكورا».

السابق
مستشفى صيدا الحكومي يواجه الإقفال قريباً
التالي
اعتصام خجول لإعادة دور الهيئة الطالبية