عن أي محرقة تبحثون الآن.. ؟

استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذكرى يوم المحرقة النازية الذي أحيته إسرائيل، امس، لتشبيه إيران بألمانيا إبان الحكم النازي. واكد في خطاب ألقاه، ليل اول من أمس، إن "إيران تريد إبادة إسرائيل بأسلحة نووية".
وقال نتنياهو خلال مراسم إحياء ذكرى المحرقة في متحف "ياد فَاشيم" في القدس لتخليد ذكرى اليهود الذين قُتلوا في المحرقة إن "شعب إسرائيل حي، وحاول أعداؤنا أن يدفنوا المستقبل اليهودي ولكنه وُلد من جديد في أرض آبائنا وهنا بنينا أساساً لبداية جديدة من الحرية والأمل، واليوم يدعو ويعمل النظام الإيراني على الملأ وبحزم لإبادتنا ويعمل جاهداً لتطوير أسلحة نووية من أجل تحقيق هذا الهدف".

وقد علق محلل عسكري الامر بالقول: لم تكن المحرقة قط ذات موضوع كما هي الآن. حينما سيتخذ رئيس حكومة اسرائيل قرار حياته في الصيف فان ما سيقف نصب عينيه هو عدم قدرة بريطانيا وفرنسا على فهم هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي. والذي سيؤثر تأثيرا كبيرا في تدبيره هو حقيقة ان الولايات المتحدة لم تنقذ يهود هنغاريا من اوشفيتس في 1944.

ان عدم قدرة الغرب على ان يُجند نفسه قبل الأوان لمواجهة الشر وعدم استعداد الغرب لانقاذ اليهود قبل فوات الأوان يصوغان اليوم ايضا تصور بنيامين نتنياهو للواقع، فهو بنظره الى الشرق يرى نازيين جددا وبنظره الى الغرب يرى تشمبرلين جديدا. ولا يهددوننا هذه المرة بغاز التسيكلون كما يعتقد رئيس الحكومة بل يهددوننا بتأليف قاتل بين تطرف مطلق وسلاح مطلق. وتحيا المحرقة وتُرزق في منزل رئيس الحكومة في القدس، فهي تملأ قلب الرجل الذي يقود دولة اليهود في 2012 وتغمر نفسه.


ولم تكن المحرقة قط مختلفا فيها كما هي الآن. كانت في الماضي صدوع لكنها أصبحت الآن كسورا. ففي حين يستولي اليمين على المحرقة بصورة تبسيطية وشوفينية أخذ اليسار يُنكر ان المحرقة هي تجربة شعورية قومية مؤسِسة وشرعية للشعب اليهودي. ان كثيرين من اليمين يرون كل منتقد لاسرائيل هملر المعاصر، أما كثيرون في اليسار فيحنون هاماتهم لغنتر غراس. ويُجند المعسكر الوطني المحرقة كي يمنح اسرائيل حصانة من كل انتقاد ويتجاهل المعسكر الراديكالي معاداة السامية ويرفض رفضا باتا كل قصة يكون اليهود فيها هم الضحايا.
لم نعد نستطيع الاتفاق حتى على المحرقة، ولم نعد نستطيع أن نجرب حتى المحرقة تجريبا شعوريا مشتركا. ان اولئك الذين يرون اليسار مضطهدا لليهود واولئك الذين يرون المستوطنين يهودا نازيين يصعب عليهم ان يتحدوا معا على ذكرى أكبر كارثة أصابت شعبا ما في العصر الحديث.

ان الفرق بين المحرقة ذات الصلة الكبيرة وبين المحرقة المختلف فيها بهذا القدر هو فرق خطير. والذكرى الصادمة في القدس تؤثر تأثيرا قويا لم يسبق له مثيل في صورة مواجهتنا للواقع الحالي؛ وفي تل ابيب تفقد الذكرى التاريخية نفسها قوتها القومية. فبدل ان تجمعنا المحرقة حول وعي مشترك وهاديء للكارثة التاريخية التي لم يكن لها مثيل أصبحت سببا للتشاجر. ونحن نتمزق بين اولئك الذين يرفعون اوشفيتس كي تكون اسرائيل ذات حق في كل حال وبين اولئك الذين ينكرون اوشفيتس كي تصبح اسرائيل مذنبة دائما. وقد فقدنا باعتبارنا أمة القدرة على ان نُجرب المحرقة حتى باعتبارها حادثة كونية ذات معنى انساني وحادثة خاصة ذات معنى يهودي واسرائيلي.

السابق
مواقف إيرانية عدوانية
التالي
دومينيك والـلانجيري!!