السفير: الكتائب يجدّد شباب الحكومة بثقة منتصف الليل

انتهى الماراتون الخطابي في مجلس النواب الذي استمر ثلاثة ايام، وغادر المتبارزون الحلبة بعدما قدموا للبنانيين مشهدا، لطالما ألفوه، من مجموعة التناقضات السياسية المتحكمة بأمر البلاد والعباد.
ولعل الخرق اللافت في الجلسة، تبدّى في مبادرة النائب الكتائبي سامي الجميل الى طرح الثقة بالحكومة، والتصويت عليها في خطوة نادرة في تاريخ جلسات المناقشة العامة التي يعقدها المجلس النيابي منذ العام 1992. وفي النتيجة نالت الحكومة ثقة الأكثرية التي تشكلها، والتي حشدت قوتها تحسبا لمثل هذا الامر، فجددت شبابها بثقة منتصف الليل بـ63 صوتا في مقابل ثلاثة اصوات حجبتها.

وإذا كانت هذه الثقة المتوقعة والمضمونة سلفا ذات مفعول رمزي، فإن اهميتها لا تتبدى فقط من خلال قدرة الاكثرية على اثبات نفسها وتكوين شبكة حماية للحكومة في مقابل محاولات اسقاطها، بل في كونها ثقة بشبه اجماع الحاضرين، بعد انسحاب سائر نواب الرابع عشر من آذار.

ولعل «القرف» الذي عبر عنه الرئيس نبيه بري، قبل الثقة، هو التقييم الموضوعي لمناقشات نيابية ارتفعت فيها طبقة الصوت الى أعلى درجات المذهبية والطائفية، واستـُحضر فيها الماضي سلاحا لمواجهة الحاضر، وتصفية الحساب بين مسميات اكثرية واقلية، وجدت في انعقاد جلسة المناقشة العامة، فرصة لإغراق هذا البلد الصغير، بمخزون إضافي من اسباب الانقسام والاصطفاف السياسي واثارة العصبيات، لا لشيء الا لمحاولة شد العصب الشعبي وتعبئة الانصار، وفي وقت احوج ما يكون البلد فيه الى لحظة رشد سياسي لا تزال مفقودة.

وإذا كانت جلسة المناقشة العامة التي استهلكت ما يزيد على ثلاثين ساعة وتناوب فيها على الكلام 62 نائبا، أي نصف مجلس النواب تقريبا، لم تقدم على صعيد المناقشات سوى تأكيد التباين والاختلاف الحادين حتى على البديهيات، فإن وقائعها ومجرياتها ولغة التخاطب التي سادتها حملت الرئيس نبيه بري على إشهار قرفه من جلسة مناقشة علمته درسا، كما قال، نظرا للفوضى التي سادتها، وإن كان قد حاول ان يكسر حدة ما وصفه بالجو المدلهم الذي تبدى له، مضيفا انه «على الرغم من الجو السجالي ما بين الموالاة والمعارضة ، ففي الامكان تكوين اشياء مشتركة».

وتوازيا مع تلك السجالات التي توزعت ما بين نواب الأكثرية والمعارضة على عناوين مختلفة، ولعل ابرزها ما يتعلق بسلاح المقاومة، او بالارث الثقيل الذي تركته الحكومات الحريرية السابقة، احتوت الحكومة هجوما عنيفا من قبل نواب الرابع عشر من آذار، صوّب بشكل مباشر على رئيسها ووزراء المال والطاقة والمياه والاتصالات، فجاء ردها بهجوم مضاد عبر منصة وزارية فندت طروحات المعارضة بالوثائق والارقام، في المالية العامة، والتربية، والكهرباء، والمازوت، والامن، والاتصالات، ردت فيها على اتهامات نواب 14 آذار، بينما تجاوز رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما وصفه بالتجريح الشخصي الذي طاله، ليدعو الى تعاون الموالاة والمعارضة، والى التبصر في مستقبل لبنان، وليقدم شهادة بحكومته على الرغم من انه لا يدعي لها الكمال، وبتماسكها برغم التباين الموجود بين بعض مكوناتها الذي وصفه ميقاتي بخلاف في وجهات النظر.
ولقد دافع رئيس الحكومة عن سياسة النأي بالنفس في شأن الوضع السوري «لان لا احد يعلم بما قد يحصل اذا ما سلك لبنان طريقا تماهى فيه مع فريق ضد آخر»، لكنه حرص ايضا على مد اليد الى المعارضة، لافتا الى محاولات الالهاء للانهاك التي تتعرض لها حكومته، وداعيا الى الاستفادة من الايجابيات والانتقال من سياسة «القيل والقال» الى الفعل والفاعل.

من جهة ثانية، ومع انتهاء جلسة المناقشة العامة يفترض ان تعود الدولة الى استئناف دورتها الطبيعية بدءًا من الجلسة العادية التي يعقدها مجلس الوزراء في السرايا الحكومية اليوم برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لدراسة جدول اعمال من خمسين بندا تتعلق بقضايا عادية ومالية، لكن بلا تعيينات.
وبحسب الاجواء المحيطة بجلسة اليوم، فإنّ الوعد الحكومي الذي قطع بعد اجتماع اللجنة الوزارية التي ثبتت صفقة بواخر الكهرباء لمصلحة الشركة التركية، بان يتم عرض التقرير الذي اوكل للجنة الفنية اعداده في هذا الشأن مقرونا بالعقود والشروط ومشروع الاتفاقية ما بين الجانبين اللبناني والتركي في جلسة العشرين من آذار، أي اليوم، لا يبدو انه سيسلك طريقه الى الايفاء به، خاصة ان مصادر اللجنة الفنية اكدت لـ«السفير» انها لم تنجز مهمتها بعد، علما بأنها قطعت مراحل متقدمة في هذا المسار على ان تنهي عملها في فترة قصيرة، فيما رجحت مصادر وزارية امكان عرض تقرير اللجنة الفنية المعنية بموضوع البواخر في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء التي ستعقد في القصر الجمهوري في بعبدا بعد عودة رئيس الجمهورية ميشال سليمان من زيارته استراليا.

وفي سياق متصل، رجحت مصادر وزارية امكان مبادرة رئيس الحكومة الى طرح الاتفاقات المبدئية التي عقدت بينه وبين نقابات واتحادات النقل البري بمشاركة الوزراء المعنيين في شأن مطالب القطاع، وايضا التقرير الذي رفعه وزير الاقتصاد نقولا نحاس حول معالجة مطالب اصحاب الافران لجهة تسليمهم طن الطحين بسعر 440 الف ليرة بدلا من 510 آلاف اي دعم بمعدل 70 الف ليرة للطن الواحد.
وعلى صعيد آخر، اكدت مصادر وزارية لـ«السفير» ان المهلة التي حددتها وزارة الطاقة والمياه لتلقي طلبات الترشيح لوظائف هيئة ادارة قطاع البترول شارفت على الانتهاء، حيث بدأت وزارة التنمية الادارية تلقي طلبات التوظيف على ان تبدأ قبل نهاية الشهر الجاري عملية فرز الطلبات واختيار تلك التي تتوفر فيها كامل الشروط والمواصفات، على ان يلي ذلك الشروع في التعيين وضمن مهلة لا تتجاوز منتصف ايار المقبل كما اكدت لـنا اوساط قريبة من وزير الطاقة والمياه جبران باسيل.

في هذا الوقت، اعلن رئيس الجمهورية ميشال سليمان من استراليا انه يسعى مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من اجل ضمان حق المغتربين في الاقتراع، مشددا على انه سيعمل لعدم العودة الى «قانون الستين» «لان القانون القديم لم ينتج الا التشرذم الطائفي ومفعوله انتهى منذ 50 عاماً».
وإذ دعا سليمان الى الاستفادة من سلاح المقاومة ايجاباً للدفاع عن لبنان ما دام الاحتلال قائما، اكد ان لبنان ضد أي عمل عسكري ضد ايران، ومشددا في الوقت نفسه على سلامة وأهمية موقف «النأي بالنفس» الذي يتخذه لبنان من أحداث سوريا.
وردا على سؤال وصف سليمان بقاء لبنان من دون موازنة بالخطيئة، معتبرا انه «من الضروري تشكيل لجنة برلمانية واخرى قضائية للنظر بكل المال المسروق».

السابق
أبو مصطفى…
التالي
النهار: الحكومة المشظّاة عوَّمها التمايز السلبي للكتائب