نحو اطلسة لبنان ؟

احيت منظمات المجتمع المدني يوم الخميس الماضي الذكرى الـ 37 لإنطلاق شرارة الحرب الاهلية في لبنان في 13 نيسان/ابريل 1975 بأنشطة متنوعة كان ابرزها احتفال نظمه برنامج الامم المتحدة الإنمائي ومنظمة "امم للتوثيق والابحاث" والإتحاد الاوروبي ، أطلق فيه مشروع "الباص إن حكى" في حارة حريك ، وذلك بالمقارنة مع عرض "بوسطة عين الرمانة" كتعبير انساني ضد الحرب ومآسيها .

في مفارقة لافتة ، اطلق وزير المال محمد الصفدي ، في ندوة متلفزة مساء اليوم نفسه ، شرارة حرب سياسية قد تعصف بحكومة نجيب ميقاتي وتؤدي مضاعفاتها وتداعياتها الى "اطلسة" لبنان ، بمعنى ربطه بمخطط الغرب الاطلسي الرامي الى تقسيم سورية بإثارة حرب اهلية مذهبية فيها .

الصفدي اتهم ميقاتي بأنه "راح يهمس بأنني تقاضيت عمولات في ملف بواخر الكهرباء وان لديه اثباتات على ذلك ابلغها للجميع بمن فيهم الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط . وزير الاقتصاد نقولا نحاس ، صديق رئيس الحكومة ، اتهمني بأنني غير مؤتمن على المال العام . يُفترض بعد كلام كهذا فتح تحقيق في مجلس الوزراء ومجلس النواب . اذا لم اكن جديراً بالوزارة ، فليطرح رئيس الحكومة الثقة بي ويقيلني". وكان الصفدي اكد في ندوته التلفزيونية ايضاً ان ميقاتي لن يخوض الإنتخابات النيابية القادمة .

الصفدي فجّر قنبلته قبل خمسة ايام من انعقاد جلسة المناقشة العامة في مجلس النواب حيث تتهيأ المعارضة لشن حملة ضارية على وزير الطاقة والمياه جبران باسيل ووزير الإتصالات نقولا صحناوي وتهدد بسحب الثقة منهما .

ميقاتي لن يأسف للحملة التي سيتعرض لها الوزراء باسيل والصحناوي وربما الصفدي ، بل هو لا يمانع في ذهاب الحكومة ايضا بعد الإتفاق الذي توصل اليه مع زعيم المعارضة فؤاد السنيورة .

ما سر الإتفاق ؟

الواقع ان الصفدي ما كان ليرد بقسوة على ميقاتي لولا تأكده من ان رئيس الحكومة لن يخوض الإنتخابات القادمة ، اي انه لن يكون حليفاً له كما كان في انتخابات العام 2009 . ولعل الصفدي تأكد ايضاً من وجود إتفاق بين ميقاتي والسنيورة من خلال مواقف رئيس الحكومة من اربع قضايا رئيسة يحتدم حولها الخلاف :

اولى القضايا مسألةُ إقرار مبلغ 8900 مليار ليرة لتمويل مشاريـع الحكومة ونفقاتها ، ولا سيما رواتب الموظفين ، قبل إقرار الموازنة التي تتعثر مناقشتها واقرارها في مجلس النواب . فالمعارضة ترفض إقرار المبلغ المذكور إلاّ بتسوية المخالفات المالية المتحققة في السنوات السابقة . غير ان قوى 8 آذار وحلفاءها العونيين لا يريدون تبرئة حكومة سعد الحريري السابقة من مسؤولية المخالفات المرتكبة ما جعل إقرار مبلغ الـ 8900 مليار ليرة في مجلس النواب كما في مجلس الوزراء متعذّراً . لماذا ؟ لأن جنبلاط يجاري قوى 14 آذار في مسألة المخالفات المالية اذ كان حزبه مشاركاً مثلها في حكومة الحريري . جنبلاط "الوسطي" حليف ظرفي للميقاتي وحليف مرجّح لقوى 14 آذار في الإنتخابات القادمة ، ومن الطبيعي ان يعارض اقرار مبلغ الـ 8900 مليار من دون ان يكون مقترناً بتسوية المخالفات المالية . اما ميقاتي فيحتاج الى وزراء جنبلاط الثلاثة كي يحكم ، فمن المنطقي ان يشاطر جنبلاط موقفه بكل جوانبه وتبريراته .

ثانية القضايا التعييناتُ الادارية . ميقاتي وجنبلاط يعارضان ، لاسباب انتخابية ، في اجرائها اذا كانت ستؤدي الى تعزيز قوى 8 آذار والعونيين وإضعاف قوى المعارضة المقصيّة عن التعيينات .

ثالثة القضايا قانونُ الإنتخابات . فقوى 8 آذار والعونيون بالإضافة الى الرئيس ميشال سليمان يرفضون اجراء الإنتخابات في ظل القانون الاكثري للعام 1960 ، ويحبذون إقرار قانون جديد على اساس التمثيل النسبي ، بينما يعارض جنبلاط النسبية ويريد الإبقاء على قانون 1960 . اما ميقاتي ، العازف عن خوض الإنتخابات ، فلا يريد اغضاب حليفه "الحكومي" جنبلاط .

رابعة القضايا الموقفُ من الأزمة السورية . قوى 8 آذار والعونيون يؤيدون الرئيس بشار الاسد ويرفضون التدخل الخارجي ضد سورية . جنبلاط وقوى 14 آذار يؤيدون المعارضة السورية المسلحة ويدعون الى اغاثة اللاجئين السوريين في لبنان ، ويعارضون تسليم العناصر المسلحة بينهم الى السلطات السورية . ميقاتي يمسك العصا من منتصفها ويميل ، لإعتبارات سياسية ، الى تأييد جنبلاط وقوى 14 آذار.

نتيجة هذه التفاعلات والتطورات ، تمّ اتفاق ضمني بين ميقاتي والسنيورة يقضي بترحيل الحكومة وتسمية ميقاتي مجدداً لترؤس اخرى جديدة ، على ان تكون حكومة تكنوقراطيين ولا تتمثل فيها قوى 8 آذار ولا قوى 14 آذار ، وتنتهج سياسة متعاطفة مع المعارضة السورية . بمثل حكومة كهذه ، يتطلع ميقاتي والسنيورة الى إقصاء القوى المؤيدة للمقاومة ولسوريـة (حزب الله ، حركة امل ، كتلة عون) وتثبيت قانون الانتخابات الاكثري للعام 1960 لتجري بموجبه الانتخابات القادمة ، وتأجيل التعيينات الادارية ، ووضع البلاد على سكة التعاون مع الأكثرية في جامعة الدول العربية المعادية للنظام السوري .

قوى الممانعة والمقاومة المؤيدة لسورية تتوجس وتتحسب لتداعيات اتفاق ميقاتي وحلفائه القدامى– الجدد المؤدية الى "اطلسة" لبنان ، بمعنى ربطه بمخطط الغرب الاطلسي الرامي الى فك التحالف القائم بين سورية والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية وايران وذلك بتقسيم سورية بما هي الحلقة الرابطة بين طرفيه العربي والايراني . في هذا المجال ، يشير قياديون في قوى الممانعة الى مخاطر تكتنف خطة المبعوث الاممي الخاص كوفي انان ولا سيما بندها المتعلق بحرية التظاهر والآخر المتعلق بنشر المراقبين . ذلك ان التظاهرات تتيح لعناصر المجموعات المسلحة التسلل اليها والإندساس بين المتظاهرين لمباشرة اطلاق النار على قوى الامن ما يضع هذه الاخيرة امام خيارين كلاهما مرّ : الإستنكاف عن الرد الامر الذي يشجع المعارضة على توسيع التظاهرات وبسط سيطرتها على الشوارع والساحات العامة في المدن والارياف ، او الرد على النار الامر الذي يؤدي الى سفك الدماء وبالتالي اتهام السلطات السورية بخرق خطة انان ما يسيء الى صورتها في مرآة الرأي العام العربي والعالمي .

الى ذلك ، يخشى القياديون الممانعون ان يؤدي نشر المراقبين الامميين في مناطق البلاد الى تقييد سورية بسلاسل وجود دولي يشل حركتها ويحجّم دورها الاقليمي . ويزداد الامر خطورة مع دعوة انان الى اقامة ممرات انسانية ما يشي بوجود رغبة لدى بعض الاطراف الاقليميين والدوليين في تدويل مسألة اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والاردن . ذلك ان بقاء اعداد كبيرة من اللاجئين في المناطق الحدودية بجنوب غرب تركيا وشمال لبنان وشمال الاردن يشجع تلك الاطراف على تشديد الدعوة الى إقامة مناطق عازلة داخل سورية وبالتالي تطوير الاضطرابات الامنية المحدودة في الوقت الحاضر الى حرب اهلية .

المشهد اللبناني وكذلك الاقليمي قاتم . نوافذ الامل ضيقة وابواب القلق مفتوحة على مصراعيها .

السابق
السعوديّة والحسابات
التالي
محمد الحجار: طرح الثقة بالحكومة مرهون بمسار المناقشات