ذريعتك لرفض النسبية غير مقنعة

حاول الرئيس نبيه بري خلال الايام العشرة التي أمضاها في المصيلح ان يبتعد قدر الامكان عن السياسة، مستفيدا من عطلة الأعياد لقراءة ثلاثة مؤلفات وكتابة بعض النصوص، الى جانب تمضية أطول وقت ممكن في أحضان الحديقة الفسيحة، الغنية بالشتول والمزروعات التي منحها المناخ الربيعي قدرا إضافيا من الرونق.
لكن، بدءا من اليوم، وحتى الخميس المقبل، سيكون بري أمام تحدي إدارة «حديقة» المجلس النيابي الممتلئة بأشواك الاصطفافات الحادة التي ستأخذ مداها خلال ثلاثة أيام من جلسات المناقشة العامة للحكومة، حيث يُتوقع ان يختلط حابل الموالاة بنابل المعارضة، لكن من دون تجاوز قواعد اللعبة في هذه المرحلة، ولعل أبرزها ان الحكومة باقية مهما تعرضت من لكمات قد تؤدي الى ترنحها، ولكن ليس الى سقوطها.

ويؤكد بري لـ«السفير» ان جلسة المناقشة تندرج في سياق اللعبة الديموقراطية وانتظام العمل المؤسساتي، مستغربا التأويلات السياسية التي تعطى لها، ومستهجنا إيحاء البعض بأن دعوته الى جلسة مناقشة عامة للحكومة جاءت استجابة لرغبة دمشق في الضغط على الرئيس نجيب ميقاتي، ملاحظا انه «عندما ندافع عن الحكومة يقولون اننا نفعل ذلك بناء لطلب سوري، وعندما ننتقدها وندعو الى مناقشتها يقولون أيضا اننا نفعل ذلك بناء لطلب سوري، وهذا ما ينطبق عليه المثل الشائع: «احترنا يا قرعة من وين بدنا نبوسك».. ولذلك، أنا أنصح أصحاب المخيلات الواسعة بقراءة النظام الداخلي لمجلس النواب، لئلا يذهبوا بعيدا في استنتاجاتهم».

أما في ما خص قانون الانتخاب الذي تحول الى نقطة استقطاب حادة في الصراع الداخلي، فإن بري يقاربه هذه المرة من زاوية جديدة، تتجاوز البعد الانتخابي المحض، الى طرح أكثر اتساعا، يحاكي الهواجس، ويفصل بين مبدأ إلغاء الطائفية وبين مسار تشكيل مجلس نواب وطني ومجلس الشيوخ، وذلك على قاعدة تقديم تفسير مرن لبنود أساسية ومهملة في اتفاق الطائف والدستور الذي ينص في مادته الـ22على ما يلي: «مع انتخاب أول مجلس نواب على اساس لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».

وفي هذا الاطار، يقترح بري «خريطة طريق» تقود الى إجراء الانتخابات النيابية على أساس اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وفق النظام النسبي، بما يتيح إنتاج مجلس نواب وطني، يحفظ حقوق الطوائف ويخفف في الوقت ذاته من حدة الطائفية وسمومها، كما هي حال البرلمانات في أكثر من 50 دولة، حيث تتم مراعاة خصوصيات الطوائف او المجموعات او القوميات التي يتألف منها البلد، لافتا الانتباه الى ان الحصص المحفوظة لكل طائفة في لبنان لا تفرز بالضرورة سلوكا طائفيا، إذا نتجت عن انتخابات في دوائر كبرى، على قاعدة النسبية.
ويضيف بري: بعد ولادة المجلس النيابي الجديد يتم فورا استحداث مجلس الشيوخ، ترجمة لما ينص عليه اتفاق الطائف والدستور، حول وجوب تشكيل هذا المجلس مباشرة بعد انتخاب اول مجلس نيابي على أساس وطني.
ويؤكد بري استعداده التام للسير في هذا المشروع، برغم ان مجلس الشيوخ سيأخذ من صلاحيات مجلس النواب، مشددا على انه يقيس الامر من زاوية مردوده الاجمالي على لبنان، بعيدا عن الحسابات المحدودة، ومعربا عن اعتقاده بأن هذا الطرح يفتح أفقا واسعا ويشكل اختراقا كبيرا للواقع السياسي والطائفي المقفل.
وانطلاقا من هذه المقاربة، يعتبر بري ان هناك إمكانية لإيجاد قواسم مشتركة مع النائب وليد جنبلاط الذي يرى ان السير في النسبية ممكن إذا توفرت الشروط الملائمة، مؤكدا ان «فرصة ان نلتقي وإياه في منتصف الطريق الانتخابية ما تزال قائمة، برغم محاولة البعض في 14 آذار جذبه الى خارج سرب الاكثرية».

وماذا عن موقف الرئيس سعد الحريري الرافض للسير في النسبية تحت السلاح؟
يعتبر بري انه ليس بإمكان الحريري التذرع بالسلاح لرفض النسبية بعدما أصبح ثابتا ان السلاح موجود لدى الجميع، وبالتالي فإن ذريعة الاعتراض على اعتماد النسبية، تحت السلاح او فوقه، ليست مقنعة.
إلا ان رئيس المجلس يلفت الانتباه الى ان ذلك لا يمنع «اننا نلتقي مع الحريري على دعم تخفيض سن الاقتراع الى 18سنة، ونأمل في ان ينجح بإقناع حلفائه بتأييد موقفه، كما نلتقي وإياه حول الالتزام بالمناصفة والكوتا النسائية والبطاقة الممغنطة التي تتيح لكل من المقيم والمغترب ان ينتخب في محل إقامته، وحتى الرؤية المتكاملة التي عرضتها في ما خص قانون الانتخاب، يُفترض ألا يكون الحريري بعيدا عنها إذا دقق فيها جيدا».
وما هي حقيقة موقف الرئيس بري من مسألة توقيع رئيس الجمهورية أو عدمه على مشروع الإجازة للحكومة بإنفاق الـ8900 مليار ليرة؟
ينفي بري ان يكون قد طلب او اقترح على الرئيس ميشال سليمان مباشرة او مداورة التوقيع على مرسوم الـ8900 مليار ليرة، موضحا في الوقت ذاته انه لا يمانع في ان يبادر سليمان الى التوقيع، لان هذا حق دستوري له، بعدما مضى 40 يوما على تلاوة المشروع في جلسة عامة لمجلس النواب من دون إقراره.

ويشدد بري على انه لا يرى في توقيع سليمان على المشروع، لو تم، أي مساس بصلاحيات مجلس النواب «وأنا لا أخفي ان ما جعلني أتصرف من دون حساسية في هذا الموضوع هو ان التوقيع يعود الى الرئيس ميشال سليمان الذي ليست لديه أي نية للمساس بصلاحيات مجلس النواب، وربما لو كان أحد غيره في هذا الموقع لفكرت في الامر مليا».
وتعليقا على مطالبة سليمان مجلس النواب بأن يتولى متابعة مشروع الـ8900 مليار ليرة، لان هذا من اختصاصه، يشير بري الى ان «ما يطالب به رئيس الجمهورية متحقق أصلا، ذلك ان المشروع كان وما يزال موجودا على جدول أعمال المجلس، وهو ـ أي المجلس ـ لم ينفض يديه من هذه القضية حتى يضعها عليها مجددا، ولكن المشكلة ان فريق 14 آذار يعطل النصاب ويربط إقرار الـ8900 مليار ليرة بإقرار الـ11مليار دولار، والرئيس فؤاد السنيورة كرر هذا الموقف قبل أيام».

تجدر الاشارة الى ان سليمان اتصل ببري قبيل سفره الى أوستراليا لوداعه، وجرى خلال الاتصال التداول في ملف الـ8900 مليار ليرة، حيث اشار بري الى ما قرأه وسمعه حول طلبه من سليمان التوقيع على مرسوم الـ8900 مليار ليرة متسائلا: هل وصلك مني سواء مباشرة او عبر أحد انني أدعوك الى توقيعه؟ فرد رئيس الجمهورية نافيا ذلك، وموضحا ان رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان أبلغه خلال زيارته له في قصر بعبدا مؤخرا ان الرئيس بري لا يمانع في ان يوقع رئيس الجمهورية على المرسوم.. وعلق بري بأن هذا هو موقفه فعلا.

السابق
لا لكاتم الصوت في فلسطين
التالي
مكاري يدعو ميقاتي إلى الإستقالة