بين المناقشة والمشاكسة

اليوم يبدأ مجلس النواب جلسات مناقشة الحكومة في سياستها العامة، تستمر ثلاثة أيام ويتكلم فيها حسب آخر الإحصاءات أكثر من سبعين نائباً، أي قرابة ثلثي عدد أعضاء المجلس من فريقي الموالاة والمعارضة وذلك في مشهد سوريالي قل نظيره.
ذلك لأن الموالاة تشحذ همم أعضائها للاقتصاص من حكومة جاءت بقرار خارجي، وبعد عملية انقلابية موصوفة دبرها حزب الله ونفذتها مجموعة القمصان السود التابعة لإحدى تنظيمات هذا الحزب العسكرية التي سبق لها ونفذت عملية السابع من أيار المشهودة، والتي أنتجت فيما بعد انتخابات رئاستي الجمهورية ومجلس النواب.

وستحاول المعارضة، من خلال الملفات التي تجمعت لديها عن الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة في إدارة دفة الحكم خلال السنة الكاملة التي تولت فيها المسؤوليات، وتركز بشكل خاص على الخلافات المستحكمة داخلها والتي حالت دون الانتاجية على كل الصعد، وبقيت هذه الحكومة تدور على نفسها من النقطة التي انطلقت فيها ولم تستطع بسبب الخلافات المستحكمة بين مكوناتها من أن تنفذ مشروعاً واحداً، ولا بنداً واحداً مما ورد في بيانها الوزاري، الأمر الذي وضعها في صف الحكومات غير المنتجة باعتراف رئيسي الجمهورية والحكومة، وبشهادة أمين عام «حزب الله» المدبر والموجّه الأساسي لها.

لكنها، أي المعارضة، لن تطلب في نهاية المطاف طرح الثقة بالحكومة، بل ستحاذر من استدراجها إلى طرح الثقة بنفسها، لأنها تدرك جيداً أنها لم تصل بعد إلى امتلاك الأكثرية النيابية لإسقاطها ما دام النائب وليد جنبلاط الذي يملك وحده مفتاح الاسقاط في ظل التوازن القائم داخل مجلس النواب ليس على استعداد للتضحية بهذه الحكومة التي فقد هو أيضاً ثقته بها، بعد جولات النائب ميشال عون العنترية ضدها، وسعيه طيلة المدة الماضية إلى شرشحتها والتجريح برئيسها وصولاً الى رئيس الجمهورية الذي يحتضنها ويدافع عن وجودها بصلابة، لاعتقاده الراسخ بأن البديل غير متوفر من جهة، ولأن إسقاطها في ظل الأجواء السائدة، معناه الدخول حتماً في أزمة وزارية، فسياسية مفتوحة على كل الاحتمالات السيئة أمام تفاقم الأحداث الأمنية في الجارة سوريا، وتداعياتها على الساحة اللبنانية.

والمعارضة نفسها، تتحسس بهذا الوضع، وتلتقي مع النائب جنبلاط في أن لا بديل في الوقت الحاضر، وفي ظل التطورات التي تشهدها المنطقة وموازين القوى الداخلية، عن هذه الحكومة، لكنها في ذات الوقت لا يضيرها بل ومن مصلحتها أن تشرشح هذه الحكومة لكي تثبت (المعارضة) للبنانيين فشل الأكثرية الجديدة، وبالأصح فشل الانقلابيين على حكومة الوفاق الوطني التي تشكّلت برئاسة سعد الحريري وتنفيذاً لاتفاق الدوحة في حكم البلاد فشلاً ذريعاً سوف يدفعون ثمنه في الانتخابات النيابية المقبلة.

وإذا كانت المعارضة، لن تذهب في التجريح وشرشحة الحكومة إلى حدّ المطالبة بطرح الثقة للأسباب التي تقدمت، لكنها في ذات الوقت لن تهادنها، ولن تساوم على حقها في المعارضة الإيجابية، وفي توجيه الانتقادات، إلى الأخطاء والتجاوزات والارتكابات التي حصلت في عهدها لا سيما من وزراء التيار العوني الذي يدّعي الإصلاح ومحاربة الفساد، ومحاسبة الحكومات السابقة على هذا الأساس خصوصاً وأن نواب التيار يستعدون ليكونوا في مركز الدفاع الاول عن الحكومة وعن سياستها في السنة التي مرّت على وجودها في الحكم، وهم كما هو معروف في حالة انعدام الثقة مع رئيسها وحتى مع رئيس الجمهورية بسبب خلافاتهما على الملفات الحكومية بدءاً من التعيينات وليس انتهاء بملفي الكهرباء والاتصالات حتى أصبح ما يخشاه رئيس الحكومة هو أن يتجاوز التهور بنواب التيار الوطني حدود تجنب طرح الثقة بها.

السابق
فياض يسلّم نتنياهو اليوم رسالة عباس: السلطة فقدت مبرّر وجودها
التالي
الراي: ثلاثية البرلمان ابتداء من اليوم تدشّن البازار