لاحقينهم حتى في المقابر..!

قد تبدو مسألة تعظيم القبور او زيارتها امرا دينيا يتوقف على ديانة الشخص او مذهبه. ومع ان هذا صحيح الى حد ما، الا انني اعتقد ان الوضع الاجتماعي له التأثير الاكبر او الاساسي هنا. فتعظيم القبور لا يتوقف الخلاف فيه على الشيعة والسنة، بل على سكان الارياف وسكان الصحراء او البدو الرحّل. اغلب السنة هنا، ينتمون الى الصحراء، حيث التنقل وعدم الاستقرار يلغيان من الاساس فكرة الارتباط او الانتماء «حيا» بالارض، فكيف بعد الممات؟ لا الميت لديه شعور الارتباط بالارض ولا الحي قادر على «المرابطة» والاعتناء بالقبر، وهو المعتاد على التنقل والحراك خلف العشب والماء. لهذا فان سكان الارياف او المناطق الزراعية باغلبيتهم لديهم ميول الى تعظيم المقابر، بغض النظر عن الديانة او المذهب، بينما سكان الصحراء بالكاد يفكرون في ذلك.

هذه مقدمة كان لا بد منها للنظر في صرعة البلدية الجديدة في محاربة او مضايقة الشيعة في مقابرهم. اللافت للنظر هنا، هو ان الشيعة لديهم مقبرتهم الخاصة، معزولة وبعيدة عن الفرقة الناجية واتباعها. بل يمكن الجزم ان الفرقة 73 هي التي نفت الشيعة وحرمت عليهم الممات مع الاخيار والمؤمنين من اتباعها. واليوم يتمدد التطرف ليلاحق الشيعة حتى بعد الممات، وراهم وراهم الى المقابر. يقولون لنا ان حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، او عندما تضايق وتؤثر في غيرك. رغم التعسف والتجبر في هكذا طرح، الا انه ايضا لا يطبق ولا يعتد به. فالميت لا حول ولا قوة له، ومقبرة الشيعة معزولة ومسورة، وليس للناجي من الفرقة 73 درب او مصلحة او علاقة بها. اذن.. لمَ التدخل ولمَ الاصرار على اخضاعها للعقلية الصحراوية في نسيان الميت والتبرؤ منه؟ وماذا فعل قبر الشيعي حتى ينتهك ويدنس؟!.. موتاهم وكيفهم، ومقابر لا تضر ولا تنفع، ولا تسيء ولا ترفع.. فلمَ اثارة الفتنة، ولمَ الحرص على استفزاز الآخرين، وبالذات في مسألة خاصة وخصوصية وتتعلق بالاموات وليس بالاحياء؟

اعتقد من الواضح الآن ان هناك استغلالا غير حميد على الاطلاق لنوعية الاغلبية التي تكونت في المجلس. وهناك قفز على حقوق الآخرين الدستورية والضمانات الديموقراطية التي يوفرها النظام للأقلية.. هذا الاستغلال يجب ان يواجه من قبل «السلطة» ويجب ان يتم توجيه الاغلبية وضبطها ديموقراطيا بحيث لا تتعدى على المبادئ العامة للنظام او تنتهك الحقوق والضمانات الدستورية للآخرين.. لأن المؤكد الآن ان الجماعة في البداية فقط.. وان الآتي أعظم.

السابق
جعجع… والأمل الكبير
التالي
غياب عمرو وحضور منير في شم النسيم