الطريق طويل

عالمنا العربي وهو يمر بتحولات وثورات اجتماعية، قد نلمس نتائجها الايجابية بعد سنوات، يعاني في الوقت نفسه من ثورات مضادة ومؤامرات من الأنظمة القديمة وتدخل من دول الغرب، بينما تقدم الشعوب وحدها ثمن هذا التآمر الذي يزج بها في اتون القتل والدمار.
لا تحولات دون ثمن وتبعات، ولا مواقف مجانية ودون تبعات وآثار، فمهما كانت تحركات الشعوب سلمية أو نبيلة فسيقابلها عنف وقمع أو التفاف من أجل اما بقاء القديم وإما حرفها من أجل تنفيذ أجندات حزبية خاصة.
كل دوافع الأنظمة والشعوب والأحزاب الاسلامية السياسية هي المصالح، فبالنسبة الى الشعوب المصلحة هي التخلص من الديكتاتورية والظلم، وهذا الأمر لم يختلف عبر تاريخ البشرية، وبالنسبة للأنظمة هي البقاء في السلطة والحفاظ على المصالح الاقتصادية غير المشروعة والسرقة ونهب خيرات البلدان، وبالنسبة للأحزاب الاسلامية السياسية هي تنفيذ أجندتها باقامة الدولة الدينية، وبالنسبة الى الدول الغربية هي تفتيت الشعوب على أسس دينية وطائفية وقبلية وفئوية من أجل السيطرة والحفاظ على مصالحها.

وللوهلة الأولى يبدو الأمر أن لا مخرج من الأزمة، لكن التغيرات في المجتمعات لا تحدث بشكل سلس ودون خسائر وصراع دام، وتقليل مدة هذا الصراع أو تمديد فترته الزمنية تعتمد على الوعي السياسي للشعوب وقوتها ووجود أحزاب وطنية وتقدمية لها نفوذ بين الجماهير تقودها وترسم لها خارطة الطريق.
فالثورات ليست كالانقلابات العسكرية، حيث يستيقظ المواطن ليجد أن النظام قد تغير بنسخة أخرى منه، الثورات ترمي الى تغيرات اجتماعية جذرية، تقطع كل صلة بالنظام القديم، لكن ذلك يتطلب وقتاً وصراعاً ومقاومة ونفساً طويلاً وقراءة صحيحة لأحداث الواقع ورسم سياسة صحيحة تناسب المراحل المختلفة.

أنا على ثقة أن هذه الأنظمة المستبدة ستزول، ولكني في الوقت نفسه أدرك أن الأمر سيتطلب صراعاً طويلاً وتضحيات كثيرة لأسباب عدة، أولاً بسبب التخلف الاجتماعي والثقافي الذي تعاني منه شعوبنا العربية بسبب الاستعمار بأشكاله كافة، وانتشار الجهل والأمية، وثانياً بسبب ضعف الأحزاب الوطنية والتقدمية وعجزها عن قيادة الجماهير بسبب قمع الأنظمة لها لسنوات طويلة، وعدم قدرتها على ممارسة توعيتها وتعبئتها للجماهير وكذلك بسبب تعرضها لدعاية مضادة من الأنظمة المستبدة ومن الدول الغربية ومن الأحزاب الاسلامية السياسية.

أنا لست متشائماً لكنني متألم من غياب وعي الجماهير وتضليلها وعدم قدرتها على التفريق بين من يمثلها ومن يدلس عليها اضافة الى ما تتعرض اليه من قتل وتنكيل.
ودليل على غياب الوعي وضعف الأحزاب الوطنية في مصر مثلاً، هو رغبة عدد كبير من المصريين في انتخاب رئيس المخابرات العامة نائب الرئيس السابق عمر سليمان، فكيف تقوم ثورة وتقدم فيها دماء من أجل الغاء نظام واسقاط رئيس ثم تنتخب نائبه؟ وهذا يدل على أن طريق الثورات العربية طويل ومعقد

السابق
ميفدون تحيي ذكرى أسبوع الشهيد علي شعبان
التالي
عباس في رسالته إلى نتانياهو: السلطة لم تعد كما اتُفق عليه وهذا لن يستمر