الراي: حكومة ميقاتي على محكّ الاختبار في البرلمان بين مطرقة حلفاء دمشق وسندان الخصوم

عكست المعطيات والوقائع المتجمعة عشية انعقاد مجلس النواب اللبناني غدا في جلسة مناقشة عامة لسياسة الحكومة تمتدّ لثلاثة ايام ان الحكومة ستواجه على الارجح اقسى اختبار من نوعه منذ تشكيلها.
ففي موازاة «الحماسة» التي يولّدها لدى النواب ان جلسة المناقشة، وهي الاولى في ظل ولاية الحكومة الحالية، ستنقل وقائعها على شاشات التلفزة ما يحفزهم على رفع وتيرة الخطاب السياسي والمطلبي، فان الاحتقانات السياسية التي بدت وكأنها بلغت ذروة غير مسبوقة ستجعل من هذه الجلسة حدثاً داخلياً ومحطة سيتحدد في ظلها المسار المصيري للحكومة في مرحلة ما بعد انعقاد الجلسة.
وترتسم عشية الجلسة مجموعة تحديات شديدة الحماوة والتأثير في توجيه المواقف السياسية التي ستشهدها الجلسة بايامها الثلاثة يمكن اجمال ابرزها بالاتي:
أولاً: عودة الهواجس الأمنية لتشكل عامل اذكاء حاد لمواقف قوى المعارضة في ظل ثلاثة حوادث هي محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومقتل المصور الصحافي في محطة «الجديد» علي شعبان على الحدود مع سورية وآخرها امس اطلاق الرصاص على الصحافي مصطفى جحا على طريق الدامور ونجاته مما يعتقد ايضا انه محاولة لقتله. وهي حوادث تتسم بخطورة عالية لجهة اعادة انكشاف الوضع الامني على مسلسل الاغتيالات في وقت تفجّرت مسألة منع تسليم «داتا» الاتصالات الى الاجهزة الامنية بقرار من الهيئة القضائية المستقلة المعنية بهذا الاجراء. وستأخذ هذه المسألة الجانب الاثقل من الهجمات المعارِضة على الحكومة مع ما يستتبعه ذلك من إحراج شديد لها في تبرير حجب الداتا والانقسام السياسي الذي يواكبه.
ثانياً: تبدو الحكومة في اقصى درجات ضعفها وتفككها في مواجهة تَحفُّز المعارضة الى شن هجماتها المركزة عليها وخصوصاً بعد الضربة القاسية التي سددها الى الحكومة وزير المال محمد الصفدي عبر حملته على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل ايام. حتى ان ثمة شكوكاً كثيفة ارتسمت بقوة اخيراً حول مواقف قوى من 8 آذار نفسها تجاه رئيس الحكومة وما تردد عن غيوم تتلبد في سماء علاقته مع دمشق، ربطت بها حركة الصفدي وكأنها رسالة سياسية الى وجود بديل من ميقاتي يمكن ان يحظى بتأييد قوى 8 آذار ما لم يلتزم ميقاتي تنفيذ خطوات أكثر تشدُّداً وتقيُّداً في التضامن مع النظام السوري في المرحلة المقبلة.
وجرى في هذا السياق تسريب كثير من الهمس عن «دفتر شروط» سوري متجدد للحكومة ورئيسها سيُخضعها لقواعد جديدة يجري توزيع الادوار في شأنها على القوى الحليفة لدمشق ومن بينها ما يتصل بالسياسة الخارجية للحكومة وكذلك ما يتعلق بآفاق الاستحقاق الانتخابي عبر فرض قانون النسبية والسير به بقوّة وقطع الطريق على ما يتردد عن تواصل ميقاتي مع اطراف في تيار «المستقبل» لتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسته تتولى الاشراف على الانتخابات النابية صيف 2013 على ما جرى العام 2005 قبيل الاستحقاق النيابي.
ثالثاً: في المقابل تمسك المعارضة بمجموعة مفاتيح ضاغطة ستلجأ الى توظيفها باقصى قوة متاحة وتتعلق باثارة الطابع الفضائحي للملفات الخدماتية مثل الكهرباء والملف المالي والاتصالات والوضع الاجتماعي المتردي في ظل العجز الحكومي عن احتوائه. اما في المقلب السياسي الاخر، فان ذروة الضغط المعارض ستكون في اثارة عجز الحكومة وتهاونها عن منع الانتهاكات السورية للحدود في الشمال والبقاع الشمالي والحملة على سياسة ما يسمى «النأي بالنفس» التي تعتبرها المعارضة واجهة زائفة لارتباط الحكومة بنظام دمشق.
وبذلك ستجد الحكومة نفسها بين مطرقة الضغوط الخفية لحلفاء النظام السوري وسندان خصومه من جهة ووضعها الداخلي المفكك من جهة اخرى والذي كان من ابرز مظاهره تصاعد الاستحقاق المالي مع مسألة امتناع رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن توقيع مرسوم يشرع مبلغ الـ 8900 مليار ليرة للانفاق الحكومي لسنة 2011 من خارج القاعدة الاثني عشرية. وقد اعتبر هذا الامتناع الذي ثبته الرئيس سليمان في بيان اصدره السبت قبيل سفره الى اوستراليا بمثابة وضع حد حاسم لمحاولة الضغط على رئيس الجمهورية التي مارسها فريق العماد ميشال عون مدعوما من حلفائه بمن فيهم رئيس مجلس النواب نبيه بري. اذ حض سليمان مجلس النواب بوضوح على تحمل مسؤولياته في مناقشة هذا المشروع واصداره بالصورة الملائمة، وسدد بذلك ضربة قوية الى القوى السياسية التي حاولت التلطي وراء دفعه الى اخذ هذا الاستحقاق بصدره بمعزل عن «المعاملة بالمثل» في ملف الـ 11 مليار دولار التي أُنفقت بين 2006 و2009 في ظل حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة. رابعاً: ثمة جانب متعلق بآفاق الحركة المتعلقة بقانون الانتخاب يلعب دوراً حيوياً في رفع وتيرة المناخ السياسي. وقد برز هذا الجانب مع حديث نشرته امس صحيفة «المستقبل « الناطقة باسم «تيار المستقبل» للرئيس سعد الحريري اعلن فيه رفضه الحازم لاعتماد نظام النسبية في ظل وجود سلاح «حزب الله».
وبدا توقيت الحديث متعمدا عشية انعقاد مجلس النواب وبعد اسبوعين من محاولة اغتيال جعجع، مما يعني ان الوضع السياسي يتجه نحو مقلب جديد مختلف تماماً عن المرحلة السابقة. ومجمل هذه الاحتقانات والحسابات الساخنة الجديدة ستصبّ في التهيئة لمناخ من الاستقطاب الحاد تكون جلسة مجلس النواب غداً منطلقاً له ومؤشراً الى وضع البلاد امام منعطف لا يخلو من خطورة ومحاذير.
وكان لافتاً عشية الجلسة اعلان رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد «أن ما سنشهدة في جلسة المناقشة العامة هي ثلاثة ايام من «القيل والقال» من الاطروحات الانتخابية والتسويقات الاعلامية للمرشحين، ولعل بعضهم يضع في أعلى سلّم الاولويات العودة الى السلطة التي ما خرج منها الا للكيدية».
وشدد على «أننا في مرحلة عايشنا حكومة ليست حكومتنا والكل بات يعرف ذلك، ونستطيع القول إنها كانت حكومة اللبنانيين جميعا، لأنها قدمت خدمات جلة للمعارضة قبل الموالاة، وتناغمت مع بعض مطالب المعارضة أكثر مما تناغمت مع مطالب الموالاة، وقبلنا بذلك لأن أعلى الأولويات في اهتماماتنا هو توفير الاستقرار في هذا البلد، والتهيؤ لما يخطط لبلدنا من تآمر بعد الانتهاء من سلسلة الحلقات التي تشهدها المنطقة».

السابق
الانباء: الحريري: تعليمات من الأسد بكسر المستقبل انتخابياً وفعلاً نراهن على انتصار الشعب السوري
التالي
اسرائيل الديمقراطية تجهض حملة اهلا بكم في فلسطين..