الآن أو لا الى الأبد

أشار كراس «دولة اليهود» المتواضع الذي كتبه هرتسل الى أكبر ثورة داخلية في تاريخ اليهود في سنوات جلائهم. وكان الصوت الذي دعا الى المؤتمر الصهيوني الاول في 1897. ولم تذكر في قرارات هذا المؤتمر دولة اليهود. وطوال سني الحركة الصهيونية الاربعين الاولى لم توجد مطالبة بدولة بل طلبت هجرة حرة الى ارض اسرائيل وحقا في استيطان مناطقها، لكن الدولة كما قال مارتن بوبر، وهو واحد من كبار مفكري الصهيونية، قال باحتقار هي جعل البشرى المجسدة في شعب اسرائيل، قزما. وقد حلمت حركة «هشومير هتسعير» بعالم الغد وخططت لاستيطان جماعي في دمشق وما حولها.

كان زئيف جابوتنسكي هو الوحيد بين القادة الرواد الذي طلب دولة بيد أنه لم يقصد الى دولة قومية بل الى دولة يهودية وديمقراطية، بل لم يطلب دولة ديمقراطية ويهودية، واذا أردنا صياغة معاصرة قلنا ان جابوتنسكي طمح الى دولة جميع مواطنيها، «فهناك سيرتوي من الوفرة والسعادة العربي ابن الناصرة وابني». يعيشون معا متساوي الحقوق.

ان سخرية التاريخ هي ان الأوائل الذين حولوا فكرة الدولة اليهودية الى اقتراح عملي هم البريطانيون. فقد كانت لجنة بيل هي التي اقترحت في 1937 تقسيم ارض اسرائيل الى دولتين يهودية وفلسطينية. وآنذاك فقط أصبح الطموح الى انشاء دولة حدثا محددا للصهيونية.
في الايام التي سبقت المحرقة عارض كثيرون جدا من الحركة الصهيونية الاقتراح البريطاني. وقد طمح المعارضون من اليسار الى شيء أجل من دولة لكن صعب عليهم ان يبينوا ماذا. ورفض المعارضون من اليمين تقسيم البلاد واقتراح انشاء دولة. ومرة اخرى كان هناك جهة خارجية بتت الامر من أجلنا، فبعد مؤتمر بيل بعشر سنين قررت الامم المتحدة انشاء دولة اليهود، ونشبت في الغد حرب الاستقلال.

كان نيسان 1948 شهرا حاسما. فالبريطانيون الذين كانوا لا يزالون يحكمون البلاد حصروا اهتمامهم في الجلاء وتجاهلوا الحرب. وكانت المؤسسة اليهودية تطوعية من غير اطار ملزم وشرطة وضرائب. وبعد ذلك حيكت حكاية جميلة عن روح تطوع جيل 1948 لكن الاستعداد للتطوع للحرب في الواقع كان ضئيلا. وفي نصف السنة الذي سبق انشاء الدولة وقع عبء الحرب المريرة في الأساس على البالماح الذي كان فيه نحو من 3 آلاف مقاتل. ومن اجل المقارنة نقول انه في النصف الثاني من حرب الاستقلال بعد ان تم تأسيس الدولة وأصبح التجنيد الزاميا قفز عدد الجنود الى 100 ألف.
خلال نيسان زادت اصوات المترددين التي ارتفعت. أربما لا يجدر التسرع؟ أكان بديل نظام الوصاية الدولية فكرة معقولة؟ ومن البدء لم يكن الطموح الصهيوني الى دولة. وزاد التردد بازاء التهديد العربي، فقد تم الاعتقاد انه اذا نشأت دولة يهودية فستغزوها الدول العربية وتقضي عليها.

كان الخوف عميقا. فبعد المحرقة بثلاث سنين لم يكن الخوف من الابادة داحضا. والاستيطان العبري يواجه عرب البلاد وحدهم بصعوبة، فكيف سنواجه الجيوش العربية المسلحة بدبابات وطائرات ومدافع؟.
في نيسان وفي الاسبوعين الأولين من أيار أجرت قيادة الاستيطان العبري مشاورات محمومة. وتم تأجيل موعد الحسم من جلسة الى اخرى. وفي خضم الجري اللاهث والحيرة كان رجل مصمم واحد. «الآن أو لا الى الأبد»، قال بن غوريون وأفضى الى حسم القرار.

السابق
اميركا تحصل على موعد ثان
التالي
ارسلان: بتنا امام حكومة سفراء تعمل بموازاة الحكومة اللبنانية