في الأشهر الماضية ساد جو من الحذر والتّرقب في مدينة صور إثر التفجيرات التي طالت بعض المطاعم المعروفة على صعيدها ،كاسرة جو الهدوء والطمأنينة اللذين عرفتهما هذه المدينة لفترات طويلة .بدأت التفجيرات تحت عنوان منع بيع الخمر وإقامة الحفلات الغنائية في المطاعم والتي ترافقت مع توزيع المنشورات للتحذير المسبق بحسب دعوى بعض الاشخاص.ولمعرفة المزيد عن الدوافع والأهداف قمنا بزيارة أصحاب هذه المطاعم مستطلعين ارائهم ومدى تأثير التفجيرات على سير العمل لديهم.
"يا ريت لو نعرف شو بدن من هالتفجيرات،يقولو ت نرتاح وإذا كان الهدف من التفجير هوّي المشروبات فنحن بعدنا عم نقدمها "هكذا بادرنا بالقول السيد زهير أرناؤوط صاحب مطعم تيروس الذي طاله التفجير.ويستطرد بغضب قائلاً:لم اتلقى إنذار شخصي ،لا رسالة ولا حتّى اتصال ولكن قبل التفجير بعشرة أيام تم تمزيق اليافطات الخاصة بالمطعم وقد حصلت بعض بعض الحوادث التي تثير الشك وقد قمنا بتبليغ الدّوائر المختصة من درك وقوى أمن وبالفعل تمّت المراقبة من قبلهم ورفعنا دعوى ضدّ مجهول وقبل ثلاثة أيام من حفلة عيد رأس السنة وضعوا لنا الهديّة لان مطعمنا محافظ على سمعته و99% بالمئة من روّاده لا يشربون الكحول. وبهذا لم تأتي الناس لحضور الحفلة والتي بعنا لها 300 بطاقة. وقد كان هذا الأمر بمثابة الضربة لنا. وأضاف متابعاً:لسنا نعرف الهدف ولا أستطيع الجزم .لكن اذا ربطنا الأحداث ببعضها نستطيع ان نرى في الأفق غاية في تفكيك البلد وضرب الإقتصاد كونه أصبح منطقة سياحيّة مقصودة ومعروفة..أمّا اذا سلمنا جدلاً أن الهدف هو الدّين فهذا الأسلوب هو بمثابة القمع للحريّات الشخصيّة ومن ناحية القانون نحن لا زلنا تحت راية الدّولة اللبنانية ولم نتخطاها فأنا أملك رخصة للمشروب وهذه تركيبة البلد. المنطق يقول أنه من المفروض أن يعرف ما المطلوب من أي جهة كانت،صحيح نحن هنا تحت غطاء الدولة اللبنانية لكن اذا أردنا أن نقول ما هي الفئة التي تمثل الأمن بالنسبة للمحسوبيات فهذا أمر معروف وهؤلاء استطاعوا خرق الموساد الإسرائيلي فالمفروض من هذه الجهة أن تتعاون مع الدّوائر المختصة من قوى أمن ودرك لمعرفة من قام بهذا العمل ووضع كل طاقاتها للتوصل إليهم، اذا ارادوا الحفاظ على مدينة صور وعلى التعايش لأننا بتنا نعيش برعب هنا وهذا الامر سينقلب بسلبية على الجميع . منذ التفجير لا ترى في مطعمنا المعروف إلا كراسي وطاولات فارغة ونحن بعد فترة إذا استمر الحال على هذا المنوال سوف نضطر لتخفيض عدد العاملين لدينا وبالفعل فمنا بتخفيض عددهم يعني ذلك أن هذا التفجير قد تسبب بتشريد الموظفين. وقد انخفضت نسبة العمل لدينا بمعدل 75 بالمئة وأكثر.الإقتصاد مات لدينا في مدينة صور، الناس تريد السفر، أصابها الإحباط، حتى القوات الدولية منعت بمعظمها من البقاء في مدينة صور والإتجاه نحو القرى خوفا من الوضع الأمني فيها .هذا الامر كان بمثابة الضربة القاسية لنا جميعاً. وبالنسة لامنيات مطعمنا فقد زدناها حيث تقوم دوريات الجيش يوميا بالمراقبة كذلك الإستقصاء والدرك وقوى الأمن كل يقوم بدوره على أكمل وجه.
أمّا السّيد نزيه أرناؤوط صاحب مطعم تيروس (الفرع الثاني) فقد اخبرنا انه من جهته قد وضع يافطة تنفي تقديمه للمشروب بعد التفجير الاول الذي طال محل الكحول تفادياً للاذى مبدياً عدم رغبته في الحديث بهذا الموضوع..
ومن جهته أكدّ السيد إبراهيم شرف الدين المدير المسؤول عن مطعم شواطينا على أنهم كغيرهم من المطاعم يخافون من أن تطالهم التفجيرات أيضاً وبحسب قوله فانه إذا كان الهدف هو زعزعة وضع مدينة صور اقتصادياً وامنيا فقد نكون نحن أيضا ضمن لائحة المستهدفين .فنحن لا نرى أن الدّين هو الهدف من هذه التفجيرات وإنما إثارة البلبلة لضرب السياحة في مدينة صور والتي تمثل عنوان للإستقرار والامن والتعايش.والبعض إعتقد بأننا قد نستفيد من الوضع الراهن لأننا لا نقدّم المشروبات ولكن هذا الامر خطأ.فنحن قد تضررنا بشكل كبير من هذا الامر بحيث انخفض معدل زبائننا بنسبة عالية وتراجع العمل لدينا بشكل ملحوظ كما في سائر مطاعم صور بدون استثاء لان هذا الامر قد ولّد خوف عند جميع الناس .ونحن نتمنى ان تكون الأجهزة الامنية قد جمعت بعض الخيوط لتمنع هذه التفجيرات .ونحن نشكر القوى الامنية على جهودها ولكن كمدينة صور هتاك نقص في عدد عناصر الامن والتقصير من القيادة العليا التي تفرز أعداد قليلة منهم والتي برأيي هي تكفي لحي وليس لمدينة بأكملها ونحن نناشد بالعمل على هذا الموضوع.
أما بالنسبة للسيد وائل محمود شرف الدّين صاحب مطعم لا كوستا فقد ابتدأ حديثه بالقول بانه لا يستطيع الجزم بموضوع المسؤولين عن التفجيرات مشيراً إلى ان مطعمه لم يتأثر بشكل كبير ولكن بحال حدوث تفجير جديد سيتاثر كون الموسم بات على الابواب.وأضاف بتفاؤل بان الناس تنسى بسرعة ولا يعتقد بان الوضع الحالي سيؤثر ولكنه لم يستطع ان ينفي الخوف من ان يطالهم التفجير مستبعدا ان يكون الدّين هو الهدف لان مدينة صور هي مدينة التعددية للأديان والإختلاط الطائفي القائم على التعايش. وأضاف: لتفادي حصول التفجير في مطعمنا فسوف نقوم بزيادة امنياته وذلك من خلال وضع كاميرات. وتابع مناشداً بوجوب قيام دوريات لقوى الامن على مدار أربع وعشرين ساعة بالتناوب لأن صور منطقة مفتوحة لذلك يجب ان تكون هناك عيون ساهرة في المناطق التي تشهد حركة يومية وذلك بالطبع يمنع تكرار هذا الأمر.
ولتكتمل الصورة فقد قمنا باستطلاع رأي بعض سكان المدينة ومنهم عيسى طفلا الذي استطرد قائلاً:لا يوجد أمن كافي في مدينة صور ولهذا حصل الإنفجار. وإذا كان الهدف منه هو الكحول فالله يحاسب وأمّا اذا كان الخطأ قد صدر من فرد ينتمي إلى طائفة معينة فهذا لا يضع الطائفة بكاملها في خانة الإتهام وأكدّ أن الهدف هو تخريب البلد بالدّرجة الأولى.
أما غالب حسين (45 سنة):فقد قال بأنه لا يستطيع الجزم بهذا الأمر لكنه على الأغلب يرى أن المقصود هو الكحول التي زادت برأيه عن حدّها في مدينة صور حالياً. ولو كان الهدف منها هو التفكيك لكانت التفجيرات بكل الأماكن.ومن جهته أيضاً يعتقد بأن قوى الأمن مسؤولة نوعا ما لأنهم إعتادوا على هدوء المدينة فكانوا غير مهيأين لما حصل بشكل كامل.
اما علي.س(عشرون عاماً) فهو يرى أن ما جرى ليس له علاقة بالدّين ومن قام بالامر هو ينتمي لطائفة متطرفة تحاول خلق حساسيات وهدفها التّخريب لأن كل الديانات تمنع الأذى، والكحول ليست حكراً على طائفة معينة فمعظم الناس يرتادون هذه المطاعم بدون إستثناء.
وقد استنكر المطران شكرالله الحاج (رئيس أساقفة صور الموارنة) بشدة هذا النوع من الأعمال، مشدداً على أن مدينة صور هي مدينة المحبة والعيش المشترك، وفيها احترام لجميع أديان العائلات الروحية الموجودة فيها،وقد نفى أن يكون من قام بهذا العمل وتعدّى على حريّة غيره من داخل صور فلذلك لا يستبعد حدوث هذا الأمر من قبل من هم من خارج المدينة بدافع تعصبي ضيّق وقد أدرج في سياق حديثه أن المشروبات هي ليست من تقاليد المسيحيين ولكنّها غير محرّمة في الدين المسيحي إلا بحال السّكر.وكذلك أكد بأنه لا يستطيع تحديد دوافع التفجيرات ذاكراً لبعض احتمالاتها والتي قد تكون برأيه ليست فقط دينية وانما اقتصادية بهدف تخفيض أسعار البناء في مدينة صور أو هدفها إثارة الفتنة والهلع في نفوس المواطنين وبالتالي هي لا تهدف فقط لمحاربة المشروبات ولهذا فمن الصعب تحديد الدوافع وأضاف معلناً تضامنه مع أبناء صور ومرحّباً بجو الحرية والمحبة، مؤكداً ان كل رجال الدّين لديهم ذات الموقف من هذا الأمر. وبرأيه مهما كانت الأهداف فإن الفتنة بعيدة كل البعد عن مدينة صور مستشهداً بقول الأستاذ نبيه بري (يخيطو بغير هالمسلّة). وقد أشاد بدور عناصر قوى الأمن مثنياًعلى جهودهم وبنفس الوقت مطالباً بزيادة عددهم في المدينة بلإضافة إلى أعداد المراكز الأمنية أيضاً.
وهكذا نرى أنه بالرغم من تعدد الدوافع المحتملة للتفجيرات فإن تأثيرها السلبي قد طغى على وضع المدينة الحالي بحيث شكّل ضربة موجعة لإقتصادها تجلى بصرخة الناس التي لم تعد تحتمل أن تتأزم أوضاعها أكثر. فهل هناك المزيد؟أم أن شبح التفجير قد رحل دون عودة عن هذه المدينة الهادئة؟