40 مليون$ بيد زوجة الوزير بلا رقابة

شهدت أروقة مكاتب مجلس النواب في الفترة الماضية نقاشات بشأن قرض سيقدمه البنك الدولي لوزارة التربية لتطوير القطاع التربوي. المشكلة ليست في القرض، بل في عدم القدرة على التدقيق المالي من قبل الدولة، فلهذا القرض حسابه الخاص في مصرف لبنان

يوم 28/11/2011، أحال مجلس الوزراء على مجلس النواب مشروع قانون يجيز للحكومة ابرام اتفاقية قرض بقيمة 40 مليون دولار بينها وبين «البنك الدولي للإنشاء والتعمير»، وذلك لتنفيذ «مشروع الإنماء التربوي الثاني». الهدف من القرض، «تحسين التعليم والبيئة التعليمية في قطاع التعليم العام وفي مرحلة رياض الأطفال، بالإضافة إلى زيادة الحوكمة وتنمية القدرات الإدارية لوزارة التربية والتعليم العالي والمدارس». حتى الآن كل شيء يبدو طبيعياً؛ إذ سبق لمجلس النواب أن أجاز للحكومة إبرام اتفاقية إقراض مع البنك الدولي لتطبيق «مشروع التعليم العام»، بموجب القانون رقم 245 الصادر بتاريخ 7 آب 2000. وقد عدل القانون في تاريخ 22 حزيران 2004، وذلك لإعادة هيكلة وصيانة أهداف مكونات المشروع وتغير اسمه ليصبح «مشروع الإنماء التربوي». حتى الآن أيضاً كل شيء قد يبدو طبيعياً. لكن المشكلة في المشروع هي في التفاصيل؛ إذ إنه كان لا يخضع لرقابة وزارة المال ولا للتدقيق من ديوان المحاسبة. فللمشروع حساب خاص به في مصرف لبنان، رغم وجود مادة في موازنة 2005 تقول إن المشروع «يخضع للرقابة المؤخرة في ديوان المحاسبة، كما يجب تقديم كشف حساب للديوان»، على حد تأكيد أحد العاملين في وزارة التربية. لكن «ديوان المحاسبة لا يستطيع أن يقوم بالرقابة المؤخرة فعلياً. وإدراج عبارة «الرقابة المؤخرة» يهدف إلى التهرب من تقديم كشف الحساب للهبات والقروض»، على حد قول أحد النواب المتابعين للملف.

في الفترة الممتدة من تاريخ بدء العمل بالمشروع، وصولاً إلى 2009 تاريخ تسلم النائبة بهية الحريري وزارة التربية، مرّ ثلاثة وزراء على المشروع هم: عبد الرحيم مراد، سمير الجسر، وخالد قباني. هؤلاء أداروا المشروع بأنفسهم، وكانت تساعدهم مجموعة من الخبراء. وكان القرار التنفيذي يعود إلى الوزير مباشرة. ويقول أحد الوزراء السابقين إنه في تلك الفترة «كانت هناك مجموعة تساعدني، وكانت تلك المجموعة استشارية، والمشروع كان يسير بنجاح تام، ما دفع البنك الدولي إلى تجديد المشروع».
لكن مع وصول النائبة الحريري إلى الوزارة، أصدرت القرار رقم 91/م/2009، يوم 20 كانون الثاني 2009، ويقضي بإنشاء أمانة سر (سكرتاريا) من مستوى مديرية، تضم خبراء يختارهم الوزير بناءً على اقتراح لجنة تستقبل الطلبات وتدرسها وفق معايير تضعها. مهمة هؤلاء هي التنسيق ومتابعة المشاريع في القطاع التربوي مع الجهات والهيئات المانحة على الصعيدين المحلي أو الدولي. رأت الحريري أن إنشاء هذا الجهاز ضروري؛ لأنه «لا توجد وحدة إدارية مركزية تعنى بأمور المتابعة مع الجهات والهيئات المعنية بهذه المشاريع». وبما أن الحكم استمرارية، أصدر وزير التربية السابق حسن منيمنة بتاريخ 20 آب 2010 القرار رقم 1202/ م/2010 الذي قضى بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ برامج تطوير القطاع التربوي والإشراف علىه. هذه اللجنة ضمت كلاً من: فادي يرق (المدير العام للتربية)، ليلى مليحة فياض (رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء)، مازن الخطيب (عميد كلية التربية في الجامعة اللبنانية)، وندى عبد الواحد منيمنة (مديرة أمانة سر تطوير القطاع التربوي، وزوجة الوزير منيمنة في الوقت نفسه). صلاحيات هذه اللجنة حولتها إلى جهاز رديف لوحدات وزارة التربية، إن من جهة الموافقة على المشاريع وخطط العمل، أو تسمية فرق العمل واللجان المتخصصة، والموافقة على الخطط التنفيذية. أما ما يعتبره بعض نواب تكتل التغيير والإصلاح الخرق الأبرز للقانون فهو «إنشاء لجنة بهذه الصلاحيات من دون العودة إلى مجلس الوزراء؛ إذ لا يمكن إنشاؤها بمجرد توقيع الوزير».

إضافة إلى ذلك، يقول بعض متابعي شؤون وزارة التربية إن اللجنة وأعضاءها لا علاقة لهم بالوزارة؛ إذ إن تمويلها وحتى رواتبهم «المرتفعة» يأخذونها من البنك الدولي؛ إذ أنشأت الحريري اللجنة عام 2009، بينما عيّن الوزير منيمنة زوجته فيها عام 2010 مديرة أمانة سر تطوير القطاع التربوي، وهي _ بحسب الاتفاقية مع البنك دولي _ تملك صلاحيات صرف أموال المشروع واتخاذ قرارت تنفيذية، ومن دون رقابة، بحسب ما أورد النواب المعترضون على وجود اللجنة وصلاحياتها. لكن في الفترة التي سبقت تأليف اللجنة، كانت ندى منيمنة مشاركة في المشروع، إنما مع فارق أن قرار زوجها جعلها صاحبة السلطة التنفيذية. من جهتها، نفت منيمنة في اتصال مع «الأخبار» أنها خلال فترة وجود زوجها في الوزارة تخلت عن مسؤولية التوقيع على صرف الأموال. أما اليوم، بعدما صار منيمنة وزيراً سابقاً، عادت ندى منيمنة لممارسة صلاحياتها كاملة.

من جهته، يقول الوزير منيمنة لـ«الأخبار» إن زوجته كانت «موجودة في المشروع منذ تاريخ قيامه». يضيف: كانت «قبلي بعشر سنوات، وكان المشروع مهدداً بالإقفال وعينت مديرة للمشروع عام 2005، ولا علاقة لي بتعيين زوجتي. أنا جئت إلى الوزارة ورحلتُ، وهي باقية في منصبها». يضيف أنه جمّد توقيعها خلال وجوده في الوزارة «التزاماً بالشفافية»، لافتاً إلى أن «كل مشاريع البنك الدولي تُنشأ وحدة لها داخل الوزارة المعنية، تضم خبراء يكونون بصفة استشارية. واستمر الأمر هكذا إلى أن انتهى المشروع». أما عن خطوة النائبة الحريري بإنشاء «أمانة سر (سكرتاريا) من مستوى مديرية»، فيقول منيمنة إنه مع «انتهاء المشروع كانت الوزارة تمر في مرحلة انتقالية، وكانت تتفاوض مع عدد من الجهات الواهبة، فأنشِئت السكرتاريا لتكون مسؤولة عن التنسيق بين هذه الجهات».

واجتمعت أمس اللجنة الفرعية للجان المشتركة برئاسة النائب إبراهيم كنعان وبحضور كل من وزير التربية حسان دياب، وأعضاء الوحدة، لبحث هذا الموضوع. خلال الاجتماع، قدّم كنعان مطالعة قانونية ضمنها ما يراه مخالفاً للقانون في هذه القضية، ومنها عدم احترام أن تنظيم الوزارات يجب أن يكون من خلال مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، ومخالفة المادة 87 من قانون الموظفين التي تقضي بأن التعاقد مع ذوي المؤهلات بحاجة إلى مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية. وبعد النقاش تقرر تحويل السكرتاريا التي أنشاتها الحريري إلى وحدة استشارية تتبع للوزير، بالإضافة إلى إلغاء الحسابات الخاصة للقروض في مصرف لبنان وأن تصبح جزءاً من الموازنة وتخضع لرقابة ديوان المحاسبة، بالإضافة إلى الطلب من البنك الدولي أن يرسل كتاباً للتأكيد أن البنك يرفض قيام أجهزة رديفة داخل الوزارات.

السابق
بن بيلاّ مع الخالدين
التالي
13 نيسـان يوم عادي فـي بلد العجائب