نجاد وأبو موسى

مرة أخرى تقدم إيران عيّنة عن طبيعة طموحاتها ومشاريعها المستحيلة في المنطقة المحيطة بها، وفي المدار الإسلامي الأعمّ والأشمل.
يذهب الرئيس أحمدي نجاد الى "جزيرة أبو موسى" الإماراتية المحتلة وكأنه ذاهب الى احتفال باستعادة القدس! ويأخذ من ذلك المكان منصّة لتوجيه رسائل طنّانة في صلافتها وقلّة حصافتها: جزيرة هي واحدة من ثلاث جزر إماراتية احتلها الشاه الراحل عندما كان يتمرجل في منطقة الخليج العربي مثل الشرطي الفاسد، بدل أن تعيدها إيران اليوم الى أصحابها مع اعتذار عن احتلالها، عملت على مدى السنوات الماضيات لترسيخ ذلك الاحتلال وضرب المطالبة بإنهائه عرض الحائط.
كأن للاحتلال تعريفاً مزدوجاً وليس واحداً. وكأن احتلال أرض عربية إسلامية من نظام قريب وجائر، يختلف عن احتلال أرض عربية من نظام أجنبي وجائر أكثر!

والحال اننا إزاء أداء رسمي إيراني حيال العرب وباقي المسلمين، يتناقض مع بديهيات المصالح المشتركة، وقبلها وأهم منها، مع بديهيات الوحدة الإسلامية المفترضة.
والمفارقة العزيزة في وضوحها تقول، ان الثورة الإيرانية ألغت كل مفاعيل نظام الشاه على المستوى الداخلي وأبقت عليها على المستوى الخارجي! نسق واحد مستمر ومستدام. تغيّرت ألوانه السياسية ولم تتغيّر أهدافه وأعماقه: إصرار على أدوار كبرى تتخطى الحدود والمقاييس المألوفة. وطموحات جامحات لتأكيد فرادة امبراطورية مضمونها قومي وظاهرها ديني مذهبي! وكل كلام آخر لا يُشترى من أي عبيط، ولا يُقبل من أي عاقل.
منذ سنوات والسعي الإيراني محموم لمدّ اليد الى صحون الآخرين. الى دولهم ومجتمعاتهم وبنيانهم. ودائماً يترافق ذلك السعي مع ادعاءات مطّاطة لا تؤدي إلاّ الى زيادة الشرخ في الاجتماع الإسلامي العام، وزيادة التأثير الأجنبي في ذلك البنيان رغم ادعاء العمل لتقليصه ومحاربته!

تبني إيران حيطاناً سميكة بينها وبين العرب وسائر المسلمين. ولا تُطمئن في أي خطوة تخطوها أحداً. لا من جيرانها المباشرين ولا من المدار الأوسع. وبدلاً من أن تعمل في زمن الحصار لفتح كوّات ونوافذ وأبواب مع محيطها، تصرّ على فعل العكس وتتشاوف: يهددها الغرب بالعقوبات والتلويح بضرب مشروعها النووي، فترد بتهديد الشعوب العربية والإسلامية المجاورة! مع ان تلك الشعوب وأنظمتها رفضت وترفض (كما تعرف طهران تماماً) أي مشاركة في أي عمل عسكري ضدها.
ما الذي فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة من غلط مع إيران كي تُقابل بذلك الاستبداد الاحتلالي الصلف؟ وماذا فعلت المملكة العربية السعودية من غلط مع إيران كي تُقابل بكل تلك التهديدات، وبكلّ ذلك الانشاء اللغوي الفظّ والتفتيتي والفتنوي، وبكل تلك المبالغات الرابضة تحت حجج "قمع أقلوي" هنا، و"حقوق" هناك، وما شابه من افتعالات مذهبية وكيدية، لا يفهم أحد ما هي الفائدة الأخيرة منها للمسلمين أينما كانوا؟!

ما هذا "الإنجاز" الاستثنائي الذي تسجّله إيران في أدائها منذ مجيء أحمدي نجاد الى السلطة وإزاحة خاتمي ورفسنجاني الى الخلف؟ وما هي الفوائد الجمّة التي حصدتها وتحصدها من ذلك الضخ التوتيري الدؤوب الذي تعتمده حيال جيرانها؟ وما هي المكاسب العظيمة والكبرى التي حصدتها وستحصدها من سياسة صدّ اليد الصادقة التي قدّمتها السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز باتجاهها أكثر من مرّة؟
غريب ذلك المنطق الذي يحاول تسويق مشروع امبراطوري بلغة مذهبية وأداء مراهق. ويحاول محاكاة أدوار الدول الكبرى فيما أصحابه لا يعرفون كيف يلبّون حاجات مواطنيهم، ولا كيف يحافظون على استقرار عملتهم الوطنية، ولا كيف يردّون على أسئلة بسيطة يطرحها رجل مثل رفسنجاني؟!

السابق
الراي: صدمة محاولة اغتيال جعجع تُخرج 14 آذار من سباتها
التالي
خيط جديد..