الراي: صدمة محاولة اغتيال جعجع تُخرج 14 آذار من سباتها

بين «العقل» و«العاطفة»، انقسموا في مقاربة آليات تعاطي قوى 14 آذار مع «رصاصتي تغيير قواعد الاشتباك» اللتين صُوبتا على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قبل تسعة ايام وأخطأتا «الهدف» ولكنهما أطلقتا مرحلة جديدة «انكسرت» معها «الركيزة» الأمنية من «السيبة» التي تحكم الوضع في لبنان منذ العام 2008 والتي كانت «ركيزتها» السياسية سقطت مع الانقلاب على اتفاق الدوحة وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في يناير 2011.
ولكن المنقسمين «تكتياً» أنفسهم لم تكن «القِسمة نصيبهم» في القراءة الاستراتيجية لمحاولة اغتيال «الحكيم» (اللقب الذي يُطلق على جعجع)، قبل ان «يرسوا على بَرّ» الحاجة الى خطة عمل سريعة لإطلاق «ثورة حكيمة» لانّ… «خير البرّ عاجله».

في اللقاء الذي دعت اليه الامانة العامة لقوى 14 آذار في معراب (عصر اول من امس) تضامناً مع جعجع الناجي من الموت بـ «فارق سنتيمترات قليلة»، اجتمعت قوى «انتفاضة الاستقلال» بـ «كامل نصابها» للمرة الاولى منذ فترة طويلة، حيث حضر «القدامى» الذي كانوا ابتعدوا (حركة التجدد الديموقراطي) وحاملو العتب «التنظيمي» على الأمانة العامة (الكتائب) والمشاركون «عند الضرورة» (الكتلة الوطنية) وكل نواب «المستقبل» (باستثناء الرئيس فؤاد السنيورة الذي غاب لاسباب امنية كما رئيس الكتائب امين الجميّل ونجله سامي).

تحت شعار «صامدون» الذي ارتفع في القاعة «المزنّرة بالصخور» (لدواعٍ أمنية)، فاضت «القلوب» على مدى اكثر من ثلاث ساعات كان خلالها جعجع محور الحديث والحدَث، هو الذي صار «الشهيد الحيّ» الرابع منذ العام 2005 والذي فاجأ البعض بـ «عقله البارد» في التعاطي مع محاولة الاغتيال بـ «القنص البارد» التي استهدفته في «عقر داره»، ولكنه لم يفاجىء كثيرين ممن عرفوه بـ «المرقّط» متجاوزاً اكثر من «قطوع» في زمن الحرب في لبنان.
نحو مئتي شخصية تحلقوا حول طاولة مربّعة، استمعوا، ناقشوا، قاموا بنقد ذاتي، أطلقوا «صرخات»، نادوا بما يشبه «الثورة ضمن الثورة»، فنّدوا مسودة البيان الختامي وصولاً الى «نسفها» بعدما رفض كثيرون صيغتها «المغالية» في إغفال الاشارة من قريب او بعيد لأي «يد» محلية في محاولة الاغتيال و«المُغرقة» في اتهام النظام السوري بما يعاكس حتى السياق الذي وصلت اليه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ليخلصوا الى اضافات أضفت بُعداً مهماً على البيان الذي تلاه النائب احمد فتفت ودعا لإحالة الجريمة على المجلس العدلي، مطالباً الحكومة بـ «العودة فوراً عن قرارها القاضي بمنع تسليم حركة الإتصالات (الداتا) مع الاحتفاظ بحقنا في إتخاذ كافة الخطوات السياسية والقانونية والشعبية المناسبة في حال لم تستجب»، ومؤكداً ان محاولة الاغتيال «بقدر ما تحاول أن تَضرُب لبنان وتستهدف فرض معادلات سياسيّة لبنانيّة معيّنة، إنّما تقع أيضاً في سياق التداعيات المتسارعة للوضع في سورية (…) وتمثّل ردّ الفاعلين على الدور الذي يلعبه الدكتور جعجع على الساحتين اللبنانية والعربية».
وسبقت توزيع مسودّة البيان الختامي وتشكيل لجنة صياغة كلمة بالغة الأهمية لجعجع وصف فيها محاولة اغتياله بانها «كانت جدية جداً»، واضعاً اياها في اطار «المواجهة الكبرى التي بدأت في المنطقة والتي تتمركز فيها 14 آذار لاننا «لم نقعد على جنب»، معلناً «نحن في عين العاصفة وفي المواجهة الاخيرة التي يمكن ان تمتدّ لستة اشهر او سنتين والتي يخوضونها على طريقة يا قاتل يا مقتول»، ولافتاً الى ان السياق الثاني لمحاولة الاغتيال، التي لم يغفل ارتباطها في احد جوانبها ايضاً بموضوع الانتخابات النيابية المقبلة، هو الساحة المسيحية «فتخيّلوا للحظة ما كان سيحصل لو نجحت محاولة الاغتيال، كانوا أطبقوا على الساحة المسيحية»، مضيفاً: «ما حصل هو في اطار خطة كبيرة لأهداف كبيرة وعلينا جميعاً ادراك ذلك والتصرف على أساسه».
وفتحت مداخلة رئيس «القوات» الباب امام نوع من «المكاشفة» ضمن حلقة بعنوان «كيف يمكن مواجهة المرحلة المقبلة»، لم تخل من مرارة عبّرت عنها مقاربات عدة انتقدت الواقع الذي بلغته 14 آذار انطلاقاً من طريقة التعاطي مع محاولة الاغتيال «التي شكلت تغييراً لقواعد اللعبة» وردّ الفعل حيالها الذي عكس «تبلداً»، وصولاً الى المطالبة برسم استراتيجيا جديدة وتغيير اسلوب المواجهة.

وارتكز اصحاب هذا الحس النقدي لـ 14 آذار «التي لم تجتمع الا بعد اسبوع من محاولة الاغتيال وشاركت غداتها في اجتماعات اللجان في البرلمان وكأن شيئاً لم يكن»، على انه لم يعد جائزاً الاستمرار في التعاطي تحت سقف قراريْ «ممارسة المعارضة النيابية تحت سقف الحكومة الحالية، و«إخصاء انفسنا» من خلال الانسحاب من الشارع وصولاً الى الخوف من حصول اي ردات فعل فيه على جريمة بحجم محاولة الاغتيال».
ولم يتوانَ بعض المشاركين عن الاشارة الى ان «الحكومة الحالية لم تعد حكومة «ستاتيكو« ما يحتّم «اعادة النظر في الاستراتيجيا التي نعتمدها واستعادة عوامل القوة»، معتبرين ان محاولة الاغتيال شكلت اشارة الى الانتقال الى مرحلة جديدة في الصراع على قاعدة «محاولة إزالة جدران الصدّ وإزاحة القوى التي يمكن ان تستفيد من الوضع الجديد الذي سينشأ في سورية، اي ان هناك حاجة لدى اطراف عدة للامساك بالوضع في لبنان استباقاً لما يجري في سورية».

وبإزاء هذا «المنطق» الذي ايّده الكثير من الحاضرين، وجد جعجع نفسه «مضطراً» لكشف مرتكزات سلوك 14 آذار «الذي ينمّ عن سياسة حكيمة وليست جبانة». واذ اوضح ان 14 آذار «بألف خير، فمشروعها واضح ولا لبس فيه ولا سيما بعدما تجاوزنا القطوع الفعلي الذي شكلته السين – سين (المبادرة السورية السعودية قبل اسقاط الحكومة)»، اشار الى ان «الهدف السياسي واضح تماماً ولكن اي سوء تقدير لتوقيت التحرك يمكن ان يوصل الى عكس المطلوب». وبعدما كشف ان بعض مناصري «القوات» كانوا يهمّون بعد اعلان محاولة اغتياله للتوجّه الى منطقتي رأس النبع والشياح (ذات الحضور الشيعي لحركة امل و«حزب الله) فبذلنا جهوداً كبيرة و«لقطناهم» (منعناهم)، اشار الى «ان الظروف الحالية في المنطقة التي تعيش مرحلة حياة او موت لا تسمح بخوض اي معارك للنهاية، فالاولوية هي للوضع السوري ولا افق عربياً او دولياً لاي تحرك يمكن ان نقوم به، وما دامت الامور تسير في اتجاهها المعروف، فلنتركها تاخذ مجرها ونَثبت على اهدافنا وقناعاتنا».

وبين المنطق «المحسوب» لـ «الحكيم» والمقاربة الاكثر «ثورية»، خلص قسم ثالث الى الدعوة الى «ثورة حكيمة» تقوم على «الاستباق الوقائي» وليس على ردات الفعل مع تشكيل «خلية أزمة» تساند قادة الصف الاول في التفكير في السيناريوات قبل وقوع الاحداث والتحسّب لكل منها.
وبعد دعوات الى «خطة اعلامية» يوجبها «عدم نجاح 14 آذار في جعل حتى بعض المناصرين يأخذون محاولة الاغتيال على محمل الجد»، انتهى النقاش على ألمٍ حيال «السقوط الاخلاقي الذي نعيشه اليوم في السياسة والاعلام وحتى على مستوى مرجعياتٍ دينية»، وعلى موعدٍ مع حلقة نقاش موسّع جديدة خلال ايام.

السابق
هل تنجح القوات في تزخيم حضورها السياسي
التالي
نجاد وأبو موسى