أنتم لا تعرفون من هو مروان شربل

بات واضحا، ان الحسابات الانتخابية تشغل منذ الآن بال السياسيين الذين يعيشون «فوبيا» الدوائر، مع ارتفاع حرارة النقاش حول التقسيم الانتخابي المفترض، وسط تضارب في المصالح الانتخابية، يُرجح ان تدفع ثمنه صيغة «النسبية».
وإذا كان وليد جنبلاط قد قرر خوض اللعبة بأوراق مكشوفة من الجولة الأولى، مؤكدا رفضه لـ«النسبية»على عادته في المجاهرة بطروحاته، فان أغلب القوى السياسية الأخرى ما زالت تقول شيئا وتضمر شيئا آخر، هو في أغلب الظن «قانون الستين» «المظفّر» الذي، وللمفارقة، أعيد الى الخدمة في المرة السابقة بناء على إصرار جزء اساسي من فريق 8 آذار بعد أحداث السابع من أيار، وذلك خلافا لرغبة فريق 14 آذار يومها، فإذا بجهات عدة على الضفتين تتبادل الأدوار اليوم، من دون أي حرج.

ووسط زحمة «المقصات» التي يحملها خياطو السياسة اللبنانية، في إطار سعي كل منهم الى تفصيل الدوائر الانتخابية على مقاسه.. يحاول وزير الداخلية مروان شربل ان يتجنب «ضربة مقص» طائشة، في موازاة الضغط الذي يمارسه على صنّاع القرار للإسراع في إنجاز قانون الانتخاب، وسط شعور بالمرارة والقرف يجتاحه هذه الايام، بعدما اكتشف ان الطبقة السياسية أرادت ان « تُلهي» الوزارة بورشة إعداد مشروع على أساس النسبية، فيما كان الكثيرون يجعلون من «قانون الستين» بمثابة «العشيقة الانتخابية» التي يواعدونها سرا!

من هذه الزاوية، يدعو شربل السياسيين للكف «عن المناورة والمماطلة»، وأن يحسموا أمرهم ويتوافقوا اليوم قبل الغد على قانون محدد، «لأن الوقت لا يعمل لصالحنا، وأنا أحتاج على الاقل الى مهلة ستة أشهر قبل موعد الانتخابات، حتى أنجز ما تتطلبه من تحضيرات أمنية وإدارية».
وفي رسالة الى من يهمه الأمر، يؤكد شربل انه «سيكون واهما ومخطئا من يظن انني سأقبل بجعلي «كبش محرقة» لهذا الاستحقاق، من خلال حشري في زاوية الوقت ودفعي الى سلق التحضيرات، وصولا الى تحميلي لاحقا مسؤولية أي خلل في الانتخابات.. إن من يعتقد انه يستطيع ان يضعني أمام أمر واقع، لا يعرف من هو مروان شربل».
وتحت وطأة عامل الزمن، يدعو وزير الداخلية الأطراف السياسية الى تظهير حقيقة نياتها ووضع أوراقها على الطاولة، لانه لا يجوز استمرار التعاطي بهذه الخفة مع مسألة مصيرية من هذا النوع، مؤكدا ان الانتخابات لن تكون امتحانا له، «لانني أعرف واجباتي جيدا، بل ستكون اختبارا للآخرين».
وبرغم ان شربل يعارض العودة الى «قانون الستين» الذي يشكل من وجهة نظره «كارثة وطنية»، إلا انه في حال الإصرار على اعتماده مجددا، فان وزير الداخلية «الغاضب» ينصح بأحد خيارين: إما ان تضع كل طائفة قانونها الانتخابي الخاص ونواجه الحقيقة المرّة من دون مساحيق تجميل، وإما ان تُلغى الانتخابات وتُستبدل بتعيين النواب، لان القانون المذكور سيعيد، وبكل بساطة، إنتاج المعادلة الحالية ذاتها مع بعض الفوارق ربما في الوجوه، تبعا لمزاجية رؤساء اللوائح، فلماذا إنفاق ملايين الدولارات على عملية انتخابية، معروفة النتائج مسبقا، ناهيك عن الاحتقان الداخلي الذي سيرافقها وما يمكن ان يتركه من تأثيرات على الوضع الأمني.

وانطلاقا من هواجسه، لا يتردد وزير الداخلية في حث مراكز القرار الداخلي على التأمل جيدا في مخاطر التمسك بـ«قانون الستين»، قبل تكرار خطيئة اعتماده، والتي ستعيد لبنان قرونا الى الوراء، معتبرا ان هذا القانون يشبه بوسطة مهترئة، محركها قديم، ومكابحها ضعيفة، وإطاراتها مثقوبة، ومقاعدها ممزقة، وهيكلها أكله الصدأ.. وفوق كل ذلك تسير نزولا.

وسعيا الى تحاشي مغامرة الانتقال بهذه البوسطة الى مراكز الاقتراع، يؤكد شربل انه سيدافع حتى الرمق الأخير عن مشروع النسبية الذي رفعه الى مجلس الوزراء، «وإن تكن المؤشرات كلها توحي بان حظوظه باتت ضئيلة جدا، على الرغم من ان هذا الطرح وحده الكفيل بكسر الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ عقود، وبفتح نوافذ في جدار النظام السياسي المقفل»، مبديا أسفه لكونه أمضى ثلاثة اشهر من العمل المتواصل والسهر الطويل مع اللجنة المختصة بغية وضع مشروع إنتخابي يليق بلبنان وينسجم مع البيان الوزاري، «ليتبين لي بعد ذلك انهم لا يريدونه، وان الكلام المعسول الذي كانوا يطلقونه حول النسبية ليس سوى ضحك على الذقون.. على كل حال، أنا قمت بواجبي، وليتحمل الآخرون مسؤولياتهم».
وتصل صراحة شربل الى ذروتها مع اعترافه بانه كان يظن قبل تعيينه وزيرا ان هناك أملا في بناء الدولة المنشودة، «ولكنني أشعر بعد أشهر على استلامي وزارة الداخلية ان هذا الأمل يكاد يتلاشى وان لبنان يتجه تدريجيا نحـو الانهــيار إذا لم يتــدارك أصحاب الشأن الموقف ويراجعوا حساباتهم قبل فوات الأوان».

ويؤكد وزير الداخلية انه يحتمل ما لا يحتمله أحد، ويعض على الجرح في أحيان كثيرة، لعلمه انه يقود وزارة معنية أولا بصون الاستقرار الداخلي وإبقاء الأمن ممسوكا، «وهذا الهدف له الاولوية، لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة والمزدحمة بالتحديات».

السابق
احد المخازن
التالي
أزمة الرقم