محاكم الاخوان 

بينما كان الجيش السوري يطلق النار ويقتل زميلنا علي شعبان، أول من امس، كانت الجماعة الاسلامية تنظم في صيدا احتفالاً حاشداً اعلن قيام محكمة ميدانية للرئيس السوري.
خطابات من الكل، الشيخ احمد الاسير حضر، وان كان الرجل مستقلاً عن الحالات الحزبية، وشكله الذي يوحي باتباعه المنهج السلفي ينفيه كلامه حين يؤكد انه ليس سلفياً. الا أن التزامه بحضور احتفال التضامن مع الثورة السورية كان لضرورات المزيد من تطييف النزاع في البلاد ومذهبته، وهو القائل انه لم يكن لينزل الى الشارع لو كان الظالم من اهل السنة. ولكن، وكون الظالم من الطائفة العلوية، فإنه ينزل ويتحرك.

حتى قائد «الجيش الحر»، رياض الاسعد، ادلى بكلمة الى اهالي صيدا المتضامنين والاخوان المسلمين، قبيل عملية المحاكمة الميدانية، التي يمكن القول انها بدأت بالشنق، خاصة ان حبل المشنقة كان جاهزاً قبل تجهيز الدمية ــــ الضحية للمحاكمة، فطبق هنا قول الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين «اشنقه ثم حاكمه».

لم تستخدم الجماعة السيفين المشرعين والمتقاطعين في رايتها، ولا خنجر ابو مصعب الزرقاوي، مع ان حكم الله هو حز الرقبة او قطع العنق، وليس التعليق بالحبل، ولم توفر الجماعة القاضي المحايد والأدلة المثبتة، علماً أن الشريعة، وفي جرائم اقل شأناً بكثير، توجب اربعة شهود عدول، ورؤية مباشرة وصافية، كمن يشاهد ادخال الميل في المكحلة.

سبق للجماعة الاسلامية ان ابتعدت عن صديقها في المقاومة، حزب الله، تلك الصداقة المبنية على علاقة غريبة من الحب ــــ الكراهية، والتي لم تصل مرة الى تحالف او تفاهم او ثقة متبادلة، وهي اليوم تفتر اكثر بناءً على الموقف من الثورة السورية، وستبرد اكثر بعد نشاط الجماعة الموجّه مباشرة ضدّ الرئيس السوري.

والمحكمة ايضا كانت سبباً في البعد بين الجانبين سابقاً، لكن محكمة اخرى، يفترض ان تعلق حزب الله على حبل المشنقة، فبينما يعتبر حزب الله ان المحكمة الدولية من اجل لبنان هي مجرد محكمة مسيسة ومخترقة وتنفذ سياسات غربية تقضي بضرب المقاومة بعدما عجز الجيش الاسرائيلي عن اقتلاعها عسكرياً، فإن الجماعة الاسلامية لطالما كانت الى جانب العدالة الدولية وخاصة في موضوع الكشف عن حقيقة عملية اغتيال رفيق الحريري.

لم يكن من المجدي محاولة تقريب الموقفين، فالجماعة تصر على العدالة الدولية في المحاسبة، والحزب يعتبر أن الموقف الدولي المقاد من الولايات المتحدة يحاول سوقه الى احد امرين: المقصلة او المشنقة. وكما هو واضح فكلاهما لا يمت الى العدالة الاسلامية بصلة، ولم تكن مرة الامم المتحدة خليفة الله في ارضه، او حاكمة بأمره، او تحكم بما انزله الله على عباده من قرآن وسنة.

وبين هذه المحكمة وتلك، وتحت ظلال قوس عدالة محاكم النظام المصري السابق، ساد جو من اللوم المتبادل بين الاخوان وحزب الله حين تم القبض على سامي شهاب ومجموعة عمله وتحويلهم الى القضاء في نهايات زمن حسني مبارك، حينها كانت حركة الاخوان تطلق المواقف المؤيدة للمحاكمة ايضا، وراح النظام المصري يعظم من دور سامي شهاب وصولا الى محاولته تشييع مصر، مساهماً في بث جو مذهبي في مصر والمنطقة العربية، بينما كان شهاب يدفع عن نفسه بأن مهمته تتلخص بتهريب السلاح الى فلسطين.

كانت المحاكمة المصرية هذه مناسبة لدفع من سبق ان رفع صور الامين العام للحزب في زمن حرب تموز الحماسي، الى الالقاء بالصور والتخلي عن دعم الحزب الشيعي، وفتح الباب واسعاً امام المذهبية. حاصرت المذهبية حزب الله، وسوريا، وايران، ومجموعة سامي شهاب وهو الشيعي الوحيد فيها، وفلسطين ايضاً، فبقيت غزة بإخوانها المسلمين في حركة حماس تحت الحصار، ثم تحت النار، وتغير رأس النظام المصري، ولم يرفع الحصار، ولكن تراجعت حماس قليلا عن محور الممانعة والمقاومة، ونأت بنفسها كما رئيس حكومتنا.

لم يعتصم الاخوان المسلمون بحبل الله، بل بحبل المشنقة، وحين كان الجيش السوري يقتل علي شعبان، كان الجيش السوري الحر يقتل ايضاً صوريا الرئيس السوري، وبأيدي الجماعة، وحضور حاشد، بينما ممارسات الجيش الحر لا تقل عن ممارسات النظام.
اصبري يا فلسطين، فلن ينجدك احد من المعتصمين بحبل الله او المعدّين للعدو ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، فقد انشغلوا بربط بعضهم بعضاً الى حبال المشانق.

السابق
الأمن أولاً
التالي
الاخبار: قرار قضائي يمنع إعطاء داتا الاتصالات للأجهزة الأمنية