بين المعلم والمقدسي

مَن علينا ان نصدّق: وزير الخارجية السوري وليد المعلم او الناطق باسم وزارته جهاد المقدسي؟ ومَن منهما يعبِّر عن الموقف الرسمي للحكم السوري؟

اعلن الوزير امس من موسكو، أن الحكومة سحبت بالفعل بعضاً من قواتها من مدن، تماشياً مع خطة المبعوث الدولي-العربي كوفي انان، أي أن دمشق موافقة على هذه الخطة وملتزمة تنفيذها.

اما الناطق باسم الوزارة، فأكد قبل ايام أن دمشق لن توافق على الخطة إلا بعد الحصول على ضمانات خطية من المعارضة ودول عربية، أي أن دمشق ليست موافقة على خطة انان.

ما صرح به المعلم في موسكو يكذّب ما قاله المقدسي. أما تصعيد عمليات قتل السوريين بالأسلحة الثقيلة من مدفعية ميدان ودبابات واقتحام مدن وبلدات ورفع منسوب القتل والمجازر الى ما يصل الى اكثر من مئة قتيل يومياً بفعل القوات الحكومية، بما في ذلك يوم امس، المفترض ان يكون يومَ بدء سحب الآليات الثقيلة ووقف النار، فيكذّب ما قاله المعلم.

لكن، في كل الحالات، يتكامل دورا المعلم والمقدسي في أداء مهمة الدفاع عن استمرار الحل الامني والقتل.

الاول بلغة ديبلوماسية تريد ان تخفف إشارات الاستياء الروسي، كما بدا من كلام الوزير سيرغي لافروف امس ودعوته حكومة دمشق الى اجراءات أكثر حسماً في اتجاه تطبيق خطة انان، وتقديم وعود (غير صادقة) لتلافي انحياز روسي الى قرار في مجلس الامن يفرض تطبيق بنود الخطة، بعدما انضمت موسكو الى البيان الرئاسي.

والثاني بلغة جافة تعبر عن حقيقة رفض الخطة عبر الشروط («الضمانات الخطية») من الآخرين، وهي شروط لا يتوقع عاقل تلبيتها، لاسباب كثيرة. فيكون -وفق دمشق- الطرف الآخر هو الذي يعرقل تطبيق الخطة، وبذلك يستمر تبرير القتل.

ويُلاحظ هنا، أنه عشية زيارة المعلم الى موسكو حصل تطوران ميدانيان ذوا اهمية سياسية كبيرة: الاول اطلاق النار من الاراضي السورية عبر الحدود التركية، والآخر اطلاق النار ايضاً عبر الحدود اللبنانية وسقوط قتلى وجرحى داخل اراضي الدولتين المجاورتين. الحادثان يوحيان أن الحكم السوري يريد ان يسخّن الحدود مع تركيا ولبنان، اللذين تتهمهما سورية بأنهما مصدر من مصادر السلاح و «المجموعات الإرهابية»، وبذلك يجري نقل البحث من إلزام دمشق تنفيذ النقاط الست في خطة انان الى الخطر على سورية القادم من وراء الحدود، وما يستتبع ذلك من ضرورة التصدي له والدفاع عن السيادة السورية. ألم تؤكد الوكالة السورية الرسمية ان «المجموعات المسلحة» هي التي قتلت المصور التلفزيوني اللبناني في الوقت الذي يؤكد شهود العيان ان اطلاق النار جاء من القوات السورية؟ ألم تؤكد الوكالة نفسها ان «المجموعات المسلحة» إياها هي التي تتسلل من تركيا والقوات الحكومية تتصدى لها، في الوقت الذي تؤكد الهيئات الحقوقية ان المستهدفين بالقوات السورية مدنيون فروا من القصف الثقيل لمنازلهم؟

ربما يكون افتعال الحادثين يهدف الى توفير حجة اضافية في يدي المعلم خلال محادثاته في موسكو لتبرير تضخيم الخطر القادم من وراء الحدود.

ويُتوقع ان تتكرر مثل هذه الحوادث المقصودة، وربما تتسع وتُسقط مزيداً من الضحايا، لاستجلاب رد، خصوصاً من تركيا، استباقاً لاحتمال الدفع بفكرة المناطق الآمنة او الممرات الإنسانية، بعد ان تتوافر عناصر القناعة الدولية التامة بأن الحكم السوري لن يطبق بنود خطة انان، وأن التلفيق والمراوغة لا يزالان يفعلان فعلهما في المعارضة الروسية لقرار دولي ملزم لدمشق.

السابق
المسألة هي الشعب السوري
التالي
الانباء: الشرع يعزي الجديد وخياط يتحدث عن تلقيه تهديدات و14 آذار تتحدث عن محاولة لتغيير قواعد الاشتباك