السور الساخر

ندر الحالات التي جندت فيها دول كثيرة بهذا القدر نفسها لمواجهة دولة واحدة كما جندت الدول الغربية نفسها لمقاومة حصول ايران على القدرة الذرية. بل ان الدول الاوروبية المتعلقة بايران لتزويدها بالنفط جندت نفسها لهذا الجهد. وقد أيدت فرض عقوبات شديدة جدا على ايران والتزمت ان تكف عن شراء النفط منها في الصيف القريب وهددت بزيادة العقوبات شدة الى حد المقاطعة المالية والمصرفية المطلقة اذا لم توقف ايران المسار الذري.

ويبرز في هذا السياق غياب روسيا والصين. فقد وافقتا على عقوبات معتدلة نسبيا لكنهما لا توافقان على عقوبات شديدة أو تسبب الشلل. وفي حين تخفف العديد من الدول الغربية العلاقة الدبلوماسية والتجارية مع ايران لا تسلك روسيا والصين هذا السلوك بل انهما تعززان العلاقات مع ايران. وقد بينت روسيا والصين أنهما ستستعملان النقض في مجلس الامن لكل اقتراح فيه تشديد كبير للعقوبات وأنهما ستعارضان على وجه الخصوص عملا عسكريا على ايران.
وهكذا تسلك روسيا والصين ايضا في مواجهة ذبح نظام الاسد لمواطني سوريا، فقد استعملتا النقض في مجلس الامن لاقتراحات فرض عقوبات شديدة على دمشق.

ما الذي يجعل روسيا والصين تخاطران بتشجيع الاصولية الاسلامية المتطرفة التي تهددهما؟ وما الذي يجعلهما توتران جدا علاقاتهما بالأكثرية الغالبة من الدول العربية التي تتحفظ مما يجري في ايران وما يجري في سوريا؟ ولماذا تُعرضان للخطر مكانتيهما العامتين في العالم الغربي اللتين دأبتا في تحسينهما كثيرا في الحقبة الاخيرة؟.
ليس ذلك للتعلق بالنفط. فروسيا مصدرة طاقة وليست متعلقة بالنفط الايراني. فما الذي يدفع روسيا والصين اذا الى لزوم هذه السياسة الشاذة بالنسبة لايران وسوريا؟.

الجواب سهل جدا. فالصين وروسيا ايضا تخشيان جدا سيطرة غربية وبخاصة امريكية على النفط الايراني الذي هو آخر مصدر للطاقة في الشرق الاوسط ليس تحت تأثير غربي. وقد أيدت روسيا والصين عمليات عسكرية على العراق وليبيا وكلتاهما مصدرة مهمة للنفط. وقد كان لروسيا حتى نشوب الحروب هناك موطىء قدم في هاتين الدولتين. لكن تبين بعد انقضاء الحرب في الدولتين ان روسيا خسرت موطيء قدمها في العراق وفي ليبيا، أما الولايات المتحدة ودول غرب اوروبا فرسخت تأثيرها هناك.

ان سيطرة غربية على الأكثرية المطلقة من مصادر الطاقة في العالم تضعضع التوازن اللطيف بين الكتل الثلاث الذي نشأ بعد انقضاء الحرب الباردة. فقد نام الصينيون والروس في الحراسة في العراق وليبيا واستيقظتا على الصراع في ايران. فاذا وقعت ايران ايضا تحت تأثير غربي قوي فان الأكثرية المطلقة من مصادر الطاقة في العالم ستصبح تحت هذا التأثير وهذا وضع لا تستطيع أية واحدة منهما قبوله.

ومن هنا ينبع ايضا تأييد الصين وروسيا لسوريا. فسوريا جزء من المنظومة الايرانية في الشرق الاوسط، وسيوصل سقوط نظام الاسد الأكثرية السنية الى الحكم في سوريا. ومن المؤكد ان هذا سيقطع العلاقات الحميمة التي لنظام الاسد مع ايران الشيعية وسيضر هذا بايران جدا. ولهذا من أراد الحفاظ على ايران حافظ ايضا على تابعها السوري.
لا يكفي التنديد بسياسة روسيا والصين بشأن ايران وفي شأن سوريا بالتأكيد، فمن المهم جدا ان نتفهمها سواء أحببنا هذه السياسة أم لم نحبها.

السابق
انشغالات المراجع برصد العلاقات التاريخية
التالي
ما يزال السلام بعيدا