الحائط الروسي..

مَنْ كانت لديه أوهام في شأن إمكان بدء سلطة الأسد في تنفيذ خطّة المبعوث الدولي ـ العربي كوفي أنان، ومَنْ كان ينتظر شيئاً من الصدقيّة في الوعود والعهود التي تضع بعض ما جاء في تلك الخطة موضع التطبيق، أتاه بالأمس الردّ المبين على ذلك من قلب موسكو.

على مدى الأيام العشرة الفاصلة بين إعلان الخطة وبدء تنفيذها، بدت السلطة وكأنها تستعجل إتمام الإطباق على مدن وبلدات وقرى موضوعة في لائحة الاستهداف قبل غيرها وأكثر من غيرها وبعنف لا قعر له ولا سقف.. والأمر، على ما قيل لنا، أصاب السيد أنان بالصدمة. و"أصاب" غيره في عواصم الغرب الأساسية بشيء يشبه اليقين، من أنّ تلك التركيبة الأسدية الحاكمة لا تنوي الالتزام بما وافقت عليه(!)

منذ اللحظات الأولى، وقفت سلطة الأسد خلف الحائط الروسي ـ الإيراني، وراحت تتحدّى القريب والبعيد غير آبهة بشيء. لا بتهديد ولا وعيد ولا عقوبات ولا مكرمات، ولا بمسلّمات الأنسنة ومشتقاتها ولا بعوارض الانتماء الوطني ومتطلباته وشروطه. دكّت مدن سوريا وقراها كلها كما لم تفعل مع الإسرائيليين ولا مرّة! وتعاملت مع السوريين كما لم تتعامل مع الإسرائيليين ولا مرّة!.. لا بل عاملتهم كما سبق وأن عاملت اللبنانيين والفلسطينيين، وزادت على ذلك ممارسات عقابية قروسطية تدلّ إلى استبداد يتورّع حتى جيش عدو غاز، عن إنزاله بضحايا غزوته.

ورغم ذلك، بقيت ولا تزال، تلك الأحجية المحيطة بالوضع السوري عصيّة على الحل أو الفكفكة أو الترجمة: دعم واضح (كي لا يُقال وقح) روسي ـ إيراني مباشر. وإسرائيلي غير مباشر، أي من ذلك النوع الذي حكى عنه بنيامين نتنياهو لمضيفيه الكنديين في زيارته الأخيرة لكندا، من أنّه لا "يحبّذ" العمل لإسقاط الأسد وسلطته.. وفي المقابل، كلام كبير وأفعال صغيرة!

.. الآن يُقال، بعد مؤتمر اسطنبول الأخير، إنّ الأتراك وصلوا إلى نقطة حرجة في التعامل مع ما يجري عند جيرانهم، وأنّ حرجهم ذاك الذي لم يلقَ تجاوباً في المرحلة السابقة، من قيادة "الناتو" وعواصم الغرب المعنية، صار الآن على المحك خصوصاً أنّ الرصاص الأسدي طالهم مباشرة وعدد النازحين إليهم يكبر باطّراد لذلك، وربما قريباً، لن تنتظر أنقرة ضوءاً أخضر من أحد كي تتحرّك بشكل مختلف!
لكن في الانتظار، تستمر السلطة الأسدية في الفتك بالسوريين وبخطّة أنان. ولا توفّر طريقة لإبلاغ العالم بالمفرّق والجملة، انّها غير مهتمّة إلاّ بدوام صلابة الحائط الروسي الذي تستند إليه.. ووجود المعلّم في موسكو في 10 نيسان يقول كل شيء تقريباً، بانتظار أن يُكمل قول ما فاته هناك، من طهران!

السابق
جنبلاط في أعلى درجات الخطر!
التالي
الأمن أولاً