فصح بلا قيامة

في خطبة الفصح الأخيرة، لم ير البابا بندكت السادس عشر في الربيع العربي قيامة، على نحو ما رأى في ربيع اوروبا الشرقية، الذي رعاه ورواه مع سلفه الراحل البابا يوحنا بولس الثاني، قبل عقدين من الزمن. لم يلاحظ البابا سوى اضطهاد للمسيحيين وتمييز ضدهم في البلدان العربية التي شهدت حلول ذلك الفصل أو هي تترقبه بين لحظة وأخرى.

في الفاتيكان ما زالت الصورة مظلمة. ليس هناك ربيع عربي ولا من يحزنون. مجرد انقلابات إسلامية على أنظمة دكتاتورية. وإذا كان المسلمون قد اختاروا العودة الى هويتهم ومؤسستهم وخطتهم ورموزهم الدينية، فلماذا لا يحق للمسيحيين ان يتمسكوا بهذا الالتزام، وأن يحافظوا على هذا الامتياز الذي بات يمثل سر وجودهم وحصانتهم الوحيدة؟

وهو موقف واقعي جداً . ليس في التجربة العراقية ما يحمي، وليس في الدرس المصري ما يغري، وليس هناك ما ينبئ بأن سوريا ستكون مختلفة أو متقدمة… والحكمة الفاتيكانية تقتضي النأي بالنفس عن حركتها الشعبية، ففي ذلك ما يسهم في حفظ الحقوق المكتسبة من النظام وتفادي بطشه من جهة، وما يخدم من جهة اخرى في ابتزاز المعارضة سلفا ودفعها الى تقديم الحد الأقصى من الضمانات المسبقة للجماعة المسيحية التي لا يبدو خوفها من التغيير مفتعلا، او مبنيا فقط على تعبئة يقوم بها بطاركة ومطارنة متورطون في السلطة.
حزمت مناسبة الفصح ان الفاتيكان والبابا الحالي ينكران الربيع العربي ويتنكران للمساهمة المسيحية، المتواضعة اصلا، في تفتح زهوره الاسلامية التي لا لبس في عطورها الأصولية. وهو ما كان يوصي به زعماء الكنائس العربية، الذين رددوا في العيد كلامهم المتداول منذ ان خرجت التظاهرة الشعبية الاولى، عن الاعتراض المشروع على الأسلمة والازدراء المطلوب للإرهاب الاسلامي.. والدعوة الى الاستعداد للهجرة من دول ومجتمعات تتلمس سبل الافتراق عن كل ما بنته طوال القرون الـ١٤ الماضية.

لم تكن خطب هؤلاء الزعماء في الفصح مجرد صدى لما يدور من همس في أروقة الفاتيكان. باب الاجتهاد كان مفتوحا على مصراعيه. في بيروت قيل في الالتزام بـ«قضايا الامة العربية» ما لم يقله مالك في الخمر. وفي دمشق قيل في «روعة» النظام وصوابية مواقفه ما لا يرتضيه أعيانه. وفي القاهرة، او رام الله لم تكن هناك حاجة لأي كلام اضافي يعبر عن غربة المسيحيين.
كان لبنان، كعادته، نموذجا. اجتهد البطريرك بشارة الراعي والرئيس ميشال سليمان في التعبير عن وصية البابا.. الى حد بدا معه وكأن رئيــس «القــوات اللبـــنانية» سمير جعجع، فرز خــارج منــطق الجماعة المسيحـية وحكمـتها الفاتيكانية.

السابق
مروان شربل اصدر تعميمين عن الانتخابات البلدية والاختيارية
التالي
الرياضي يضحّي بلقب غرب آسيا