سقوط مهين لمهمة أنان!

انتهت مهمة كوفي انان في سوريا تماماً كما سبق ان انتهت مهمات الجامعة العربية ومبادراتها وبعثة مراقبيها. وما كان واضحاً منذ البداية تقريباً اصبح من المؤكد الآن، فالوضع في سوريا دخل نفق الحرب الاهلية الطويلة والمؤسفة وما فيها من المآسي والفظائع. في أول الأمر كانت الجامعة العربية هي التي تشتري الوقت للنظام السوري لكي ينهي المعارضة، فقد كانت "عقدة" تدخل حلف "الناتو" في ليبيا تتحكم بالموقف العربي، ثم دخل المقاولون الروس على خط شراء الوقت عبر "الفيتو" وتعطيل الارادة الدولية. وعندما بدأ كوفي انان مهمته مدعوماً من الامم المتحدة وروسيا ظن الكثيرون ان موافقة النظام السوري بعد شهرين من الجدال على نقاطه الست ستشكل مدخلاً الى الحل.

يوم الاحد جاءت المفاجأة عندما ظهرت مهمة انان ونقاطه الست جثة كبيرة وسط القتلى، فقد اصدرت دمشق بياناً جاء فيه: "ان القول ان سوريا اكدت انها سوف تسحب قواتها من المدن ومحيطها في 10 نيسان تفسير خاطئ"، وان انان لم يقدم "ضمانات بالتزام كل من قطر والسعودية وتركيا وقف تمويل المجموعات الارهابية وتسليحها"!

هذا البيان لا يشكل نعياً لمهمة انان فحسب، بل يشكل إهانة للامم المتحدة ومجلس الامن بما في ذلك روسيا والصين اللتان ايدتا تلك المهمة. فاتهام المجتمع الدولي بأنه اخطأ التفسير يمثل صفعة للذين راهنوا على مهمة أنان. وما يدعو الى مرارة السخرية ان دمشق تتذاكى عندما تطلب من انان القيام بمهمة مستحيلة هي جمع الضمانات المكتوبة ليس من الجيش السوري الحر فحسب الذي اعلن التزامه الخطة، بل من قطر والسعودية وتركيا وهو أمر مستحيل:
اولاً لأنه يصوّر الثورة السورية وكأنها مؤامرة خارجية كما يزعم النظام، وثانياً لأنه يريد تحميل هذه الدول المسؤولية القانونية والاخلاقية والانسانية عن آلاف القتلى وحمامات الدم التي تغرق سوريا منذ عام ونيف، وثالثاً لأن من الواضح ان النظام يريد ان يستمر في الحل العسكري رغم انه وافق على تاريخ 10 نيسان لسحب القوات مراهناً على سحق المعارضة قبل انتهاء فرصة انان، لكن استمرار المقاومة دفعه الى اسقاط مهمة انان بطلب هذه الضمانات المستحيلة وهو ما يتيح له المضي في الحل العسكري الذي لن ينجح حتى لو تحولت سوريا كلها بابا عمرو.

كوفي انان الذي اعلن قبل يومين انه مصدوم من العنف والفظائع والمعدلات المفزعة في اعداد القتلى، يواجه الآن صدمة المطالبة بالضمانات التي تعني عملياً انهاء مهمته، وبان كي – مون يتهم النظام بانتهاك موقف مجلس الامن ويأسف لاستمرار القتل، وروسيا تستقبل وليد المعلم للبحث في مناقصة جديدة لشراء الوقت… اما العالم فمجرد تمساح كبير يذرف الدموع على القتلى السوريين وينتظر عبثاً "الاجراءات التركية" الموعودة في حين تنزلق سوريا الى نفق الحرب الاهلية الطويلة!

السابق
أزمة اليورو تتنقّل بين الدول.. والشرطة اليونانية للإيجار!!
التالي
قباني: استشهاد شعبان انتهاك صارخ للحريات الاعلامية