العسكرة والسياسة في الثورة السورية

العسكرة جزء مهم من الثورة السورية, بمعزل عن الأسباب التي أدت إليها, سواء كانت تتعلق بسلوك العصابة المجرمة, أو خلاف ذلك من أسباب, إلا أنها تحولت الآن إلى سلاح ذي حدين, الحد الأول سلبي وهو استخدامه كحجة من قبل العصابة المجرمة وحلفائها لمزيدا من القتل, والثاني إيجابي ويتمحور حول حماية الثورة السلمية والمتظاهرين في المدن والقرى السورية, ورغم ذلك ازدادات وتيرة القتل لدى العصابة, حيث منذ اعتصام مئات الآلاف في حمص في 18 ابريل 2011 في ساحة ساعتها الشهيرة التي تحولت إلى رمز من رموز الثورة, والأمكنة السورية, كجامع العمري في درعا, أدرك النظام بذلك الاعتصام, أنه أمام ثورة شعبية حقييقة وخصوصا بعد ان تبعتها مئات الآلاف في كل من حماة ودير الزور اأدلب واللاذقية, وكلها تظاهرات واعتصامات سلمية امام شاشات الاعلام العالمي والعربي.
أدرك هذا النظام أنه خالي الوفاض من أي حل سياسي أو أفق سياسي يقدمه لسورية, باستثناء استمرار حكم هذه العصابة الأسدية وبالطرق نفسها والخسة والوضاعة الأخلاقية وانعدام التفكير ولو للحظة على المستوى الوطني. الأفق منذ ذلك التاريخ أي بعد شهر من انطلاق الثورة في حوران, كان اقتل واقتل حتى تعيد سورية إلى ما كنت قبل ثورتها, ومنذ ذلك التاريخ تكذب أي معارضة أو أي جهة إقليمية أو دولية, إذا قالت أو أشارت الى ان العصابة المجرمة قدمت أفقا لحل سياسي, أو حتى مجرد مؤشرات يمكن الاستناد اليها. وحتى اللحظة ينكر حلفاء العصابة المجرمة أن هنال في سورية ثورة سلمية لها مطالبها في الحرية والكرامة والعدالة. فإذا كان حلفائه ينكرون هذا الأمر فمابالنا بالعصابة نفسها? والعصابة أهم شيء في سلوكها أنها لم تعد قادرة على اخفاء نفسها, والمزيد من القتل ومن تدمير ونهب المدن وأرزاق العباد, والوصول إلى سورية كأرض محروقة, يسهل عليهم لحظتئذ ان يتحولوا إلى ميليشيا في هذه السورية التي ستشبه لبنان أو العراق, وهذا ما لايعترف به بعض رموز معارضتنا الكريمة, ومنهم من يحاول تحميل مسؤولية الوصول الى هذا السيناريو للقسم الآخر من المعارضة, أو لدعوات عسكرة الثورة, على أساس أنه لولا هذه الدعوات لماكانت العسكرة, ولكانت هذه المعارضة قد استطاعت اجتراح حل سياسي يحمي البلد من الانزلاق نحو هاوية احتراب أهلي أو طائفي, وهذا محض ادعاء وكذب بين وصريح.
ليس من مسؤولية شعبنا أن يدافع عن النظام الاقلاوي أو غير ذلك, هم اختاروا هذا الموقع سواء خوفا أو طوعا, لايغير في معادلة القتل على الأرض, وليس ذنب شعبنا أنه وجد نفسه أمام معارضة منها ماهو متواطئ مع العصابة المجرمة ومنها ماهو أقل من المستوى من حيث الأداء والإخلاص أيضا.
وليس ذنب شعبنا أن إسرائيل حمت العصابة المجرمة على مدار أربعة عقود من القتل والنهب والمجازر الموثقة والتي لم تعد تحتاج إلى برهان, النقطة الإيجابية ربما التي يجب أن تذكر هنا, أن المجلس الوطني السوري, ووفق معلوماتي كعضو فيه, ليس لدينا ما نعقد من أجله أو بناء عليه اتفاقيات مع دول لمرحلة ما بعد العصابة المجرمة, ليس لدينا سوى دعم شعبنا في استمرار ثورته, وكيفية عيشه في سورية حرة كريمة, بغض النظر عن التزام أو عدم التزام المجلس وبعض أعضائه بهذا الأمر.
المجلس لايخلو أيضا ممن يرون أن هناك إمكانية لحل سياسي مع هذه الطغمة, وهؤلاء لم يستطيعوا أن يقدموا لنا أي مؤشرات تدعم نواياهم شبه المعلنة! وبخاصة لدى التيارات التي ترفض التدخل الدولي العسكري. الجميع يصطدم بالتالي: بقاء آل الأسد في الحكم كما هم! وبعدها نتحدث عن بقية التفاصيل! كيف يمكن أن يبقوا في الحكم? هذا سؤال لا أحد يجيب عنه من هؤلاء ولا غيرهم من حلفاء النظام أيضا, أقصد روسيا وإيران, تكثفت كل الآفاق لدى هؤلاء باستمرار العصابة وبالطريقة نفسها. هنا لا أحد يمكن أن يجرؤ بعد كل هذا الدم أن يتعامل مع هذا الأفق! هذا ما اعتقده حتى تلك المعارضة التي تدين المجلس الوطني وتدين دعوات العسكرة, هذه المعارضة أفقدها نظام ترى فيه إمكانية لعقلاء لم تتورط أيديهم بالدماء! أفقدها أي إمكانية على إنتاج خطاب يمكن أن يثق به شعبنا. وجعل من خيار العسكرة المطروح على الثورة بقوة هو السبيل الانجع لمواجهة هذا القتل اليومي عند كثيرين من أبناء شعبنا وجيشنا الحر, وتحت إحساس واضح أن سورية ستدفع هذا الثمن, عاجلا أم آجلا, إذا أرادت التحرر من هذه العصابة المجرمة. كما دفع العراق وليبيا واليمن, وربما أسوأ بكثير في سورية لاعتبارات يعرفها الجميع, أهمها هي طيف الدوافع للقتل لدى الكتلة العسكرية المتحلقة حول هذه العصابة. فالعصابة ممانعة وحامية للطائفة وأفضل للأقليات ولتجار حلب ودمشق وبعض مشايخ من محدثي النعمة والجاه!
ضمن هذه الاجواء راحت عسكرة الثورة تتقدم وليس لأسباب أخرى, تتعلق بنوايا هذا المعارض أو ذاك ولا بهذه التنسيقية أو تلك ولا بهذا الضابط أو ذاك, الثورة في جانب منها فوضى ردود الفعل, والقياس والمعايير التي تحتاج إلى ضبط دوما, لهذا الحاجة دائمة للسياسة والثقافة والنقد, إلا أننا بحجة اننا ضد العسكرة, لانقدم بديلا عن هذا القتل الجهنمي اليومي وهذا التهجير والتنكيل, وكل أنواع المحرمات في شرائع حقوق الانسان وأديانه.
تكفي مقارنة بين ما يفعله الجيش الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين يكاد لايذكر أمام هذه الهمجية المطلقة, إن اللغة والنبرة وطريقة الضحك والسخرية, كفيلة بان تجعل الكائن البشري يفقد كل المسلمات, فما بالنا إن كان ما يتعرض له الناس وأهلهم وأقربائهم وجيرانهم, إنها محرقة وحرب إبادة لايشق لها غبار, تحت سمع وبصر المجتمع الدولي, إن ظاهرة العسكرة يجب أن لاتمنع أولوية استمرار التظاهر السلمي لأنه هو العماد الأساس للثورة, ولكن في المقابل علينا ألا نضيع الحدود في فهم ظاهرة العسكرة ونحن ننظر الى الجنود المنشقين, وعلى الناس الذين يحتكون لحظيا بهذا الهدر لكرامة الكائن ورموزه ومعتقداته واعراضه…قليل من الخجل ينفع كثيرا أحيانا.  

السابق
أوضاع مقلوبة! لن تهدأ المنطقة إلا بسقوطه!
التالي
وين علماء الشيعة والسُّنة؟!