من رهينة من؟ 

عطل فني كبير، أو خلل في قاعدة البيانات، يجعل وليد جنبلاط يعيش ظروفاً صعبة. العودة عن قراره بالقطيعة الكاملة مع الحكم في سوريا صارت صعبة الآن. الأرجح انه، في حال كهذه، ستضطر المختارة الى اختيار بديل عن وليد جنبلاط للتواصل مع الحكم في سوريا لاحقاً. المسألة، هنا، ليست في من سيبقى في موقعه أكثر. المسألة، ان الاستحقاقات اللبنانية الداهمة تجعل جنبلاط مضطراً الى مراسلة قصر المهاجرين. هذه هي الحقيقة اللبنانية ــــ السورية.
العطل نفسه جاء نتيجة محاولة خبير اعادة تنظيم البرنامج الخاص بآل جنبلاط، كان الخبير يعمل على طريقة تتيح التواصل بين جنبلاط وإيران وسوريا من جهة، وبين السعودية والولايات المتحدة من جهة ثانية. لكن، يبدو أن جنبلاط استعان، هذه المرة، بخبير من جيل مضت أيامه. لم يلحق زعيم البرقيات العاجلة بعالم السرعة الجديدة. مع الأسف ظهر هو أيضاً… بطيئاً!

الآن، يريد جنبلاط الاستعداد، بحكم الفطرة اللبنانية، لاستحقاق الانتخابات النيابية المقبلة. همّه اعادة انتاج البرنامج، إنما على صعيد محلي. ولأنه يفكر بالطريقة نفسها، فهو يحوّل صراعه مع قانون النسبية، من مستوى التعايش مع تطورات لبنان ومحيطه، الى مستوى وجودي. يتصرف زعيم الغالبية الدرزية على أن مستقبله السياسي بات رهن هذا القانون. وهو، بالتالي، يعلن صراحة، جهاراً ونهاراً، انه يريد البقاء في دائرة القانون الاكثري، مع أفضلية دائمة لقانون الستين.
قانون الستين يناسب طريقة تفكير جنبلاط الحالية، ويناسب مستوى فهم وذكاء وقدرات البرنامج الذي يعمل عليه. فهذا القانون يتيح له القيام بما يعرفه، ويناسب مصالحه:

ــــ تسوية مع مسيحيي 14 آذار في عاليه وبعبدا.
ــــ تسوية مع المستقبل في اقليم الخروب والبقاع الغربي.
ــــ تسوية مع حزب الله في بعبدا وحاصبيا.
ــــ تسوية مع التيار الوطني الحر في الشوف وبعبدا.

كيف ذلك؟
بحسب برنامج جنبلاط، إيّاه، فإن العلاقة المستقرة مع تيار «المستقبل»، يفترض ان تسمح له بتمرير علاء الدين ترو، وترك الخيار للمستقبل في سحبه المرشح السني الثاني في الشوف.. بينما يسعى الى اختيار شخصية مارونية محل جورج عدوان أو دوري شمعون، يكون للتيار الوطني الحر حصة فيها. ثم يرضي مسيحيي 14 آذار في عاليه بمرشح مستقل أو مرشح الكتائب، على ان يقوم بمقايضة في بعبدا، تعيد اليه المقعد الدرزي من دون مشكلة او صدام مع حزب الله او التيار الوطني الحر، بينما يتم الركون الى واقع الحال في البقاع الغربي، فيبقى وائل ابو فاعور، من دون الرهان بقوة على مقاعد اضافية، شرط ان يحفظ له سعد الحريري المقعد الدرزي في بيروت.
وفق هذا البرنامج، يكون جنبلاط قد حافظ على الحد المعقول من المكاسب، وهو يتيح له كتلة اقل من التي فاز بها في انتخابات العام 2009، لكنها، تسمح له بالبقاء على سياسة ابتزاز القوتين الابرز، 8 و14 آذار، وساعتها، يكون قد استعادة موقع «الجوكر» الذي يؤسس له الاستمرارية لعقد نيابي ــــ سياسي جديد.

للوصول الى هذه النتيجة، يريد جنبلاط استخدام ما لديه من أوراق الآن. عملياً، لم يعد في جيبه سوى بطاقة حمراء واحدة، يمكنه ان يستعملها لمرة واحدة وأخيرة ايضاً، وهي التلويح بالانسحاب من الحكومة الحالية وحجب الثقة عنها واسقاطها، وإبقاء البلاد من دون إدارة، بانتظار عقد تسوية معه من قبل احدى القوتين، والمقابل الذي يريده الآن، عنوانه: قانون الانتخاب.

لكن جنبلاط لا يريد التصرف بتهور، بل يريد أن يدرس خطواته بعناية، لأن البطاقة التي في جيبه، مثلها مثل سيارة مفخخة، أيّ خطأ في التوقيت أو التصرف، قد يجعلها تنفجر في غير أوانها أو غير مكانها. لذلك، هو يريد، أولاً، انتظار تبلور صورة المواقف من قانون الانتخابات، فإذا حصل توافق فعلي بين الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، إلى جانب حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والبطريركية المارونية، سيكون مضطراً الى سلوك طريق غير تلك التي يفضلها. فهو يفضّل ان تكون مشكلته محصورة مع الرئيس ميقاتي، أو مع بكركي والتيار الوطني الحر. وهو يريد، أساساً، تجنب اي مواجهة أو صدام مع الثنائي الشيعي، لأن في ذلك ما قد يجعله خارج الملعب نهائياً… بينما، هو يعرف ان مساحته الفعلية موجودة حيث الفراغ المتأتي من ضعضعة 14 آذار، وغياب سعد الحريري، وعدم قدرة سليمان وميقاتي على الحلول محلهما.

الآن، ادار جنبلاط محركاته. ابلغ من يهمه الامر، بطرق مختلفة، انه لن يقبل بقانون النسبية. وهو مستعد لرفع الصوت اكثر اذا اقترب مشروع القانون من قاعة مجلس الوزراء. واذا كان صعباً عليه الاقدام على خطوة انتحارية بتفجير الحكومة في حال أقرت مشروعاً في هذه الوجهة، إلا أنه سيكون مستعداً لقلب الطاولة في مجلس النواب. وعندها سيجد من يكون الى جانبه في هذه المهمة. وهؤلاء هم الرفاق الاقرب الى قلبه في قوى 14 آذار.
في هذه الحال، هل صحيح الافتراض ان البلاد المفتوحة على احتمال اقرار قانون عصري للانتخابات النيابية، ستكون رهينة الرجل، ام ينجح هو في تمثل كل القابضين على طوائف البلاد ويبقي البلاد رهينتهم؟  

السابق
فشل الحوار مع إيران يُحتِّم الضربة
التالي
قرطباوي:ثمة موقوفون بتهريب السلاح